سيلما: 86 كيلومتراً على الأقدام

17 يناير 2015
فيلم يتتبع زمن مارتن لوثر كينغ
+ الخط -

يتناول فيلم "سيلما" واحداً من أهم الفصول في تاريخ نضال الأميركيين من أصول أفريقية في الولايات المتحدة لنيل حقوقهم المدنية. الفيلم من إخراج آفا دوفيرني (42 عاماً)، وهي أميركية من أصول أفريقية. تدور أحداثه حول ثلاث مسيرات قادها السود الأميركيون انطلاقاً من مدينة سيلما، في ولاية آلاباما، عام 1965. وأجبرت تلك المسيرات الرئيس الأميركي ليندون جونسون والكونغرس على إقرار قانون حق التصويت الذي شكل علامة فارقة في تاريخ نضالهم من أجل نيل حقوقهم المدنية.

كانت أول المسيرات الثلاث بعد قرار 600 من النشطاء السود في حركة الحقوق المدنية، قطع جسر المدينة والتوجه سيراً على الأقدام من سيلما، إلى مونتغمري، عاصمة ولاية آلاباما، والتي تبعد حوالي 86 كيلومتراً عن مدينتهم، للمطالبة بحق التسجيل للتصويت والانتخاب. وقبل أن يتمكن المتظاهرون من قطع الجسر، أوقفتهم قوات الشرطة وسكان عنصريون وانهالوا عليهم بالضرب المبرح. ونُقلت تلك الأحداث عبر شاشات التلفزة وشاهدها الملايين في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

أثارت مشاهد الغاز المسيل للدموع والضرب بالعصي الملفوفة بالأسلاك الحديدية الحادة والخيول التي امتطتها قوات الشرطة لتفريق المسيرة السلمية، تعاطف الكثيرين في أنحاء البلاد. وعلى الرغم من ذلك، رفض الرئيس الأميركي آنذاك، ليندون جونسون، تلبية طلب مارتن لوثر كينغ وحركة الحقوق المدنية تقديم قانون يخوّل الحكومة الفيدرالية الإشراف على عملية تسجيل الناخبين وإلغاء الممارسات العنصرية. ولم يكن جونسون معارضاً لمطالب كينغ من ناحية المبدأ، لكنه رأى أنها غير قابلة للتطبيق في ظروف البلد وقتها.

لكن كينغ قرّر المضيّ قدماً في مسيرته من سيلما إلى مونتغمري، وخصوصاً بعد قدوم الألوف إلى المدينة لدعم المتظاهرين، بما فيهم مواطنون بيض. لكن المسيرة الثانية لم تقطع الجسر بعد بدئها، حيث قرر كينغ وقفها والعودة إلى المدينة، خوفاً من سفك الدماء، حيث كانت قوات الشرطة لهم بالمرصاد. كما قرر الانتظار حتى تبتّ محكمة محلية في طلب ترخيص للمسيرة، ما يكفل حماية لها، الأمر الذي حصل عليه في النهاية.

هكذا، سار نحو 3 آلاف شخص مشياً على الأقدام ولمدة خمسة أيام، كانوا يخيمون فيها ليلاً، إلى أن وصلوا إلى مونتغمري. وقامت قوات من الجيش بحماية المتظاهرين على طول الطريق خوفاً من الاعتداء عليهم. ووقّع الرئيس الأميركي بعد ذلك قانون الحقوق المدنية.

يتناول الفيلم كل هذه التفاصيل والنقاشات التي كانت تدور بين كينغ والنشطاء الآخرين، إضافة إلى الضغوطات التي تعرّض لها من قبل الحكومة الأميركية والتهديدات التي عاشها، مستعيناً بمشاهد وثائقية للمسيرات. كما يعتمد الفيلم على جزء من ملفات المكتب الفيدرالي للتحريّات (إف بي أي)، بغية عرض تفاصيل تحركات مارتن لوثر كينغ.

وكان الـ"إف بي أي" قد رصد تحركاته حتى اغتياله عام 1968، بما في ذلك تسجيل علاقاته الغرامية مع عشيقاته في الفنادق التي كان يرتادها. وذهب المكتب إلى أبعد من مجرد التنصت والتهديد، ليبعث رسائل تحت اسم مستعار بغية حثّه، على ما يبدو، على الانتحار خوفاً من الفضيحة، حيث أرفقت مع إحدى الرسائل التي أرسلت لزوجته عيّنات من تسجيلات له مع عشيقته.

يعيد الفيلم، المرشح لجائزة "أوسكار" أفضل فيلم لهذا العام، سرد وقائع وأحداث تاريخية مهمة من وجهة نظر نقدية وبعيون أولئك الذين صنعوها. وينجح في الوقت ذاته في استيفاء الشروط الجمالية، بسيناريو محكم وأداءٍ تمثيلي عالٍ. كما تتخلل الفيلم الأغاني الشهيرة التي كان الناشطون يغنونها أثناء مسيراتهم ونشاطاتهم، خصوصاً أغنية "غلوري"، المرشحة لـ"أوسكار" أفضل أغنية هذا العام أيضاً.

المساهمون