كل ما مرّ على منطقتنا العربية، مرّ عليه عبد اللطيف اللعبي: مغامرة الطليعية، الالتزام السياسي، الاستبداد وسجونه ثم مواجهته كخيار حاسم وحتّى النهاية، الكدح الطويل كعامل مياومة على جبهة الأمل - دون أن تفارقه سخرية خاصة لا نعرف كيف يوفّق بينها وبين حب يمسّ جميع الموجودات.
مسألة الحرية والعدالة الاجتماعية والإيمان بالإنسان هي جوهر تجربة شعرية وكتابية عريضة، تلازمت لديه مع الممارسة ولم تتمترس وراء يافطة ولم يقزّمها شعار. الالتزام، كما يعلّمنا الشاعر، حركة وممارسة وفعالية وعطاء، وليست بأي حال يافطة أو شعار، ولا يمكنها أن تكون استثماراً. العطاء؛ تبديد للذات وبناءٌ لها من جديد.
نتذكّره ذات مقهىً وهو يقول ما معناه: ما أخذته من اليسار هو الوقوف مع الناس، ما عدا ذلك ليس مهماً. لا نتذكّر سبب ضحكات وُهِبت لذلك النهار.
هناك أمور حين يذوِّتُها المرءُ وتصبح جزءاً من نفسه لا تعود هناك حاجة إلى إعلانها. الإعلانات المتكررة والاستعراض هي لمن يحاولون ردم الفجوات الكبيرة بين القول والممارسة برغوة الكلام. الشاعر حين يكمل تمارينه ويؤدي واجباته الشعرية، لا يعود بحاجة إلى عرض شيء.
بعد سنوات طويلة، يُدرك المرء أهمية أنه قد قرأ شاعراً في يفاعته أو التقاه بعدها بقليل، أو جمعته معه خيوط صداقةٍ لربما هي ما يتبقى بعد اهتراء خيوط كثيرة. نحاول الإمساك به لنشكره ثم نكف عن المحاولة. إنه شاعرٌ يمرّ.