صورة جانبية للرأس المقطوع

08 أكتوبر 2014
فرج عبد الكريم في عمل سابق
+ الخط -

بعد توقّف تجاوز السنوات الخمس، يعود المخرج الليبي داود الحوتي لينجز عملاً مسرحياً جديداً هو "فرقة حال بوزيد"، المأخوذة عن مسرحية "رجال لهم رؤوس" للكاتب المصري محمود ذياب.

داود الحوتي الذي برع في مسرحة نصوص عربية وعالمية، ووضعها في سياق ليبي، كما فعل مع شكسبير ويوجين يونيسكو وهارولد بنتر ويوسف إدريس وصلاح عبد الصبور وسواهم؛ يواصل هذه العملية في عمله الجديد. واختياره اسم "فرقة حال بوزيد" ذو دلالة ليبية خاصة، لكون كلمة (فرقة) تعني، في اللهجة الليبية، حاله يدعو إلى الرثاء أو لا يعوّل عليه.

شهدت هذه المسرحية تعثراً كبيراً، منذ أراد الحوتي تقديمها لأول مرة عام 2005. ففي ذلك العام، لم يتمكن من الحصول على مسرح أو منتج لها. وفي العام 2010، عاد إليها، قبل أن يُضطر إلى إيقافها لأسبابٍ رقابية، ليبدأ الشغل عليها من جديد مطلع هذا الشهر، بحماس شديد، رغم الظروف الأمنية والحياتية التي تعيشها مدينته بنغازي، منتظراً تحسّن الأوضاع لعرضها على خشبة "المسرح الحر".

يقول الحوتي لـ"العربي الجديد": "ألغيتُ كل شخصيات المسرحية وأختزلها في ممثلٍ واحدٍ، سيقوم بأداء كل الأدوار، هو الفنان فرج عبد الكريم. ولا أعني بهذا تقديم مونودراما تقليدية، بل أحاول الوصول إلى شيء جديد".

من جهته، يضحك الممثل فرج عبد الكريم، ويقول لنا في نوعٍ من السخرية المبطّنة: "ألغينا كل الرؤوس في هذه المسرحية قبل أن تخطف وتقطع، وبقى رأسي فقط ليصول ويجول". عبد الكريم صاحب التجربة الفنية العريضة والمتنوعة في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة، يواصل سخريته، حين يرى اعتراض المخرج الحوتي، فيقول: "وبقي كذلك رأس المخرج".

بعد ذلك، يوقف الممثل مزاحه ويشرح: "فعلنا ذلك ليسهل عرضها في أي مكان، وليسهل التنقّل بها. فحتى الديكور والسينوغرافيا قمنا بإعداده على نحوٍ متقشفٍ، كي لا نحتاج إلى منتج وسط هذه الظروف. أظن أن المشهد العربي الحالي لا يحتاج إلى مزيد من الاحتشاد. رأسٌ واحدةٌ تكفي".

الحوتي الذي بدأ مسيرته المسرحية على يد أساتذة وفدوا إلى ليبيا لتعليم المسرح، أواخر الستينيات، استعان به الفنان عمر الحريري سنة 1968 كممثل في مسرحية "بيت الله الحرام"، ثم السيد راضي في مسرحية "القاعدة والاستثناء" لبريخت، قبل أن يقدّمه المخرج سالم فيتور في مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" لسعدالله ونوس.

حافَظَ الحوتي على نهج أساتذته، لا سيما في اختيار النص، الذي يعتبره مكمن الإبداع. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى تجربته في هنغاريا حيث درس المسرح دراسة أكاديمية.

مسرحية "فرقة حال بوزيد" تتحدث عن علاقة الرأس بالموت. فهل وجوده في جسد يعني الحياة؟ وكم من رؤوسٍ تعلو أجساد أصحابها لكنها ميّتة؟ ما الذي يجعلها تموت وهي حية؟ هل ثمة رؤوس ميتة لكنها مؤثّرة في الحياة؟ وهل الفكرة تقبع حقاً في الرأس أم في جزء آخر؟

بعبارة أخرى، تتطرّق المسرحية إلى المركز عندما يموت، وتفترض أنه يمكن للأجزاء المتفرّعة منه أن تنبت وتبدع لها رؤوساً تجدّد بها حياتها بعد موت الأصل.

في المسرحية أجواء ليبية صرفة، تحاكي الواقع وتسخر منه. لهجة شرق ليبيا، التي تبدأ من وسط البلاد لتصل إلى تخوم الإسكندرية، هي المعتمدة، لأنها المفهومة والأقرب إلى الفصحى.

رأس البطل يفعل كل شيء دون أن يُقطع، لكن العرض يتغيّر كل يوم، فالحوتي معروف أنه يلعب كل مباراة على حدةٍ، وكل عرض له يختلف عن الآخر. يعيش ورشة دائمة، وأحياناً، أثناء العرض، يبدي بملاحظات للممثلين بشكل مباشر، حتى يظن المشاهد أن في الأمر تحطيماً.

دلالات
المساهمون