لم تتجاوز لوحاته التي رسمها سوى سبع وثلاثين، إلا أن يوهانس فيرمير حظي باهتمام خاص من خلال تصويره لحظات الهدوء والصفاء والأشياء البسيطة في يوميات الهولنديين خلال القرن السابع عشر، وكأنه أراد المشاركة في المشهد والارتباط به على نحو روحاني.
تغلب فرضية أساسية حول أعمال الفنان الهولندي (1632 – 1975) تتمثّل في استخدامه الكاميرا المظلمة، وهي جهاز ميكانيكي ظهر قبل اختراع كاميرات التصوير الفوتوغرافي في القرن التاسع عشر، حيث كان مدركاً للتطورات التقنية في علم البصريات، الذي كان محور اهتمامه ككاثوليكي نشأ في وسط بروتستانتي، ما استدعى الجدل حول أسلوبه بين فريق يراه مبتكراً، وآخر اتهمه بالاحتيال.
حتى الرابع من حزيران/ يونيو المقبل، يتواصل في "متحف رايكس" بأمستردام معرض استعادي لفيرمير افتتح مساء الجمعة الماضي، يضمّ ثماني وعشرين من لوحاته، التي تمّ جمعها من عدّة متاحف في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية واليابان.
تحضر النساء في معظم الأعمال المعروضة، حيث سعى الفنان الذي رحل قبل أن يبلغ الثالثة والأربعين إلى تقديمهن خلال القيام بأعمال مثل كتابة خطاب أو العزف على آلة موسيقية، في أفضل صورة ممكنة، من الناحية الجمالية والشكلية.
يأتي المعرض نتاج بحث فني سيتواصل حتى عام 2025 حيث تقام احتفالية بمناسبة مرور ثلاثمئة وخمسين عاماً على رحيل فيرمير، من أجل الإضاءة على لوحاته من ناحية مفاهيمية، وكذلك ممارسته المتعلّقة بأسلوبه وتوظيفه للتقنيات العلمية في عصره.
يتضمّن المعرض لوحة "الخادمة تسكب الحليب" التي رسمها عام 1660، وخرج فيها عن الذي كان سائداً لفترة طويلة في تصوير الخادمات في هيئة كسولة أو وضيعة، فالخادمة في اللوحة توحي ملامحها بالنبل والجدية والرصانة، بينما هي منهمكة في أداء جانب من وظائفها اليومية المعتادة، وتعرض إلى جوار رسوم توضيحية تعكس كيفية تفكير الفنان وتطوير الحلول في عمله، خاصة في ما يتعلّق بالتركيب والضوء واللون.
كما توضّح الأعمال أثر استخدامه للكاميرا المظلمة أيضاً على رسم التفاصيل والمسافة بين عناصر العمل، حيث توجد خطوط حادة وأشياء أخرى غير واضحة أو تظهر خارج نطاق التركيز في بعض المساحات، خلافاً لفنانين مجايلين كان يرسمون كلّ شيء في اللوحة في بؤرة التركيز.