هل يمكن دخول مرحلة تاريخية معيّنة، ومحاولة فهمها، من باب الكوميديا؟ هذا هو الرهان الذي يُقدم عليه الباحث المصري وليد الخشّاب في كتابه الجديد "مهندس البهجة: فؤاد المهندس ولا وعي السينما"، الصادر حديثاً عن مؤسّسة "المرايا للثقافة والفنون" في القاهرة.
يدرس الخشّاب الترابُط بين أعمال الممثّل المصري الكوميدي الشهير، فؤاد المهندس (1924 ــ 2006)، وبين السياق السياسي الذي كانت تعيشه مصر الناصرية، والتي كان المهندس من أشهر نجومها، على الشاشة الكبيرة والشاشة الصغيرة.
فهو يُقارب، على سبيل المثال، النحو الذي كانت فيه "الفكاهة في خدمة الوطن" بعد هزيمة 1967، حيث يجد أن الأفلام التي أدّاها المهندس بُعيد تلك الهزيمة لم تكن نقديةً بالضرورة، بل سعت إلى "حشد الرأي العام في مرحلة إعادة البناء بعد الهزيمة"، و"لا سيما من خلال الأغنية الختامية (فيلم "العتبة جزاز") التي تدعو إلى الاصطفاف الوطني وإلى مقاومة الشائعات الهدّامة".
يُقارب المؤلّف هذه الشائعات، ومعها النكات التي ظهرت في أفلام المهندس أو رافقتها، بأدوات التحليل النفسي، مُتسائلاً عن دورها في "مقاومة الهزيمة"، أو في هضمها. وهو يذكّر بالعديد من الأمثلة التي درجت بعد أفلام مثل "العتبة جزاز" (1969)، و"شنبو في المصيدة" (1968)، ومن ذلك انقسام الآراء والإشاعات حول الفيلم الأخير، بين مَن اعتقد أن الفيلم جاء بطلب من عبد الناصر لـ"تنفيس" الرأي العام بعد الهزيمة، أو أنه فيلمٌ ينتقد الزعيم المصري، الذي لم يكن إلّا "شنبو في مصيدة" العدوّ الإسرائيلي.
وبالأدوات نفسها، أدوات التحليل النفسي، وكذلك التحليل الثقافي، يدرس الخشّاب دور الكوميديا والضحك في تنفيس اللاوعي المكبوت خلال فترة حُكم عبد الناصر، "بحيث تسمح الكوميديا لعقل المجتمع الباطن أن يبوح بما لا يجرؤ على قوله بشكلٍ واعٍ، حول تسلُّط النظام وسيادة العنف الرمزي وإحكام القبضة الأمنية"، كما نقرأ في تعريف الناشر للكتاب.
جديرٌ بالذكر أن وليد الخشّاب يقدّم، عند السادسة من مساء الخميس المقبل (29 من هذا الشهر)، في مؤسّسة "المرايا" بالقاهرة، محاضرةً بمناسبة صدور كتابه، بعنوان "العتبة جزاز والكوميديا في خدمة الوطن: الضحك مع فؤاد المهندس".
وليد الخشّاب أستاذٌ مشارك في كلّية اللغات والآداب واللسانيات في "جامعة يورك الكندية". من منشوراته: "دراسات في تعدّي النص"، وكذلك "الاقتباس: من الأدب إلى السينما ــ محطّات في تاريخ مشترك" (بالتعاون مع سلمى مبارك)، إلى جانب العديد من المقالات والدراسات المنشورة في دوريات عِلمية في كندا وفرنسا وغيرهما.