وقفة مع ياسمين حنّوش

18 نوفمبر 2022
ياسمين حنّوش
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "إنْ فهِمنا العالم بما فيه الكفاية، فسيتغير إلى الأفضل"، تقول الكاتبة العراقية في حديثها إلى "العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟
مشغولةٌ دائماً بتدريس اللغة العربية والأدب العربي في "جامعة بورتلاند ستيت" بولاية أوريغون الغربية، كما أُدير قسم الدراسات العربية هناك بما يشتمل عليه ذلك من مسؤوليات متعلّقة بتحضير وتنسيق المنهج الدراسي، وإرشاد الطلبة حول فُرص الدراسة سواء في الولايات المتّحدة أو العالم العربي. لذا، كتابة الأدب هي استراحتي المفضّلة من مسؤوليات العمل والأسرة اليومية، فتجدني أتطلّع إلى فرص الكتابة النادرة بشوقٍ كبير.

    
■ ما هو آخر عمل صدر لكِ وما هو عملكِ القادم؟
ينقسمُ مجهودي الكتابي إلى قسمين: أعمالي باللغة الإنكليزية، بحكم أني أعيش في الولايات المتحدة منذ مدة طويلة، وأعمالي باللغة العربية. كما أنّ أعمالي باللغة الإنكليزية تنقسم بدورها إلى قسمين: ما أكتبه من دراسات أكاديمية في مجالَي النقد الأدبي وعلم الاجتماع، وفي هذا الحقل لي كتاب أكاديمي بعنوان "الكلدان: السياسة والهوية في العراق والولايات المتّحدة" (2019)، ومقالات دراسية عديدة أغلبُها يدور حول الثقافة والأدب العراقيين. وما أترجمه من العربية إلى الإنكليزية، وهذا يشمل مجموعات قصصية، ورواياتٍ عديدة حاز بعضُها جوائز للترجمة مثل ترجمتي لرواية محسن الرملي "الفتيت المبعثر" (2001)، ومجموعة لؤي حمزة عباس "إغماض العينين" (2010).  
أما بالنسبة لأعمالي العربية فقد بدأتُ بإصدارها في وقت متأخّر نسبياً. كتابي الوحيد الصادر باللغة العربية هو مجموعة قصصية بعنوان "أرض الخيرات الملعونة: قصص من عالم النبات العراقي"، الصادر عن "الدار الأهلية" (2021). وتعالج هذه القصص القصيرة جدّاً أحداثاً سياسية واجتماعية من تاريخ العراق الحديث، إنّما من وجهة نظر تُعزى إلى النباتات العراقية وليس إلى البشر، وقد وصلت المجموعة إلى القائمة الطويلة لـ"جائزة المُلتقى" لدورة هذا العام. كما انتهيتُ من كتابة مجموعة قصصية أُخرى بعنوان "أطفال الجنّة الملعونة"، ولكّنها إلى الآن لم تجد ناشراً في العالم العربي بعد، رغم أنّ قصصها قد تُرجمت ونُشرت باللغات الإسبانية، والإيطالية، والإنكليزية. أما ترجمة ليفي تومبسون للمجموعة فهي قيد النشر الآن، وقد تُنشَر قبل أن أتمكّن من إصدار المجموعة بلُغتها العربية الأصلية. إلى جانب ما سبق، أعمل حالياً على رواية ومجموعة قصصية ثالثة، ولكني بصورة عامة أتوجّس من الحديث حول فحوى ما أكتبه قبل أن يكتمل المشروع. 
  

■ هل أنتِ راضية عن إنتاجك ولماذا؟
لا، الرضا عمّا قد أنتجناه من علامات تضاؤُل الأمل بإنتاجنا المستقبلي، وأنا ما زلتُ في مقتبل الطريق أدبياً وعندي مشاريع كثيرة، سأرضى عن نفسي أكثر بعد أن أُنتجها فعلياً. كما أني لستُ راضيةً بتاتاً عن حالة النشر المُزرية في العالم العربي هذه الأيام. جميع الكتّاب العرب الذين أعرفهم، سواء أكانوا من المغمورين أم ذائعي الصيت، يعانون من سوء معاملة الناشرين لهم والتلاعُب بمؤلّفاتهم وبالإيرادات الصادرة عن بيع هذه المؤلّفات، وهذا أمر أبتغي أن ألفتَ النظر إليه وأدعو القرّاء والكُتّاب إلى التمعّن مَليّاً فيه، ومعالجته بشكلٍ علني لعلّنا نجد حلولاً لهذه المعضلة.  


■ لو قيض لكِ البدء من جديد، أي مسار كنت ستختارين؟
بذلتُ جهداً كبيراً في مسيرتي الأدبية والثقافية والعِلمية، خصوصاً أن الهجرة في سن السابعة عشرة قد شكّلت عائقاً لغوياً كبيراً تطلّب مني سنوات طويلةً لتخطّيه (ولا أستطيع أن أقول إنني قد تخطيته بالكامل). ربما لو بدأتُ مجدّداً لحاولت الإيمان بقدرتي على الكتابة بلغتي الأم في وقتٍ مبكّر، ولواصلتُ الكتابة بالعربية من دون انقطاع عنها سنوات طِوال. ولكنني سعيدة بعودتي إليها، ولستُ نادمة على ما بذلتُ لتنمية قدراتي في الإنكليزية خلال فترة انقطاعي عن الكتابة بالعربية. 


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
بصراحة، لا أطمح إلى تغيير العالم بل إلى فهمه. أؤمنُ بأننا إنْ فهمنا العالم بما فيه الكفاية، فإنه من دون شك سيتغير إلى الأفضل. تكمن إحدى مشاكلنا الكبرى، أفراداً ومجتمعاتٍ دولية، في رغبتنا الجامحة بتغيير هذا العالم، من دون فهمنا الوافي له ولرغبات شعوبه المختلفة. 

من أحلام يقظتي مأدبة أدعو إليها شخصياتي الأدبية المفضلة

■ شخصية من الماضي تودين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 
من أحلام اليقظة التي أستمتعُ بها كثيراً هي إقامة مأدبة كبيرة، أدعو إليها شخصياتي الأدبية والثقافية المفضّلة لتتحاور عبر الأزمنة والمدارس الفكرية، والمذاهب الفلسفية المُختلفة. خذ على سبيل المثال، أن يتجاور حول مائدة الطعام فريدريك نيتشه مع محيي الدين بن عربي، أو أفلاطون مع نازك الملائكة، أو ليو تولستوي مع آسيا جبار... إلخ. تُرى ما الذي ستنتجه تفاعُلات هذه الأذهان الرائعة جرّاء هذه اللقاءات غير المتوقّعة؟     


■ صديق/ة يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟
القاص والروائي الموهوب ضياء الجبيلي وابن مدينتي البصرة التي أحنُّ إليها دوماً، أعدُّه صديقاً مقرّباً رغم المسافات التي تفصل بيننا، ومثقّفاً معاصراً أعتزُّ بآرائه الثقافية والأدبية وأستمدُّ منها وعياً ومعرفة حول الواقع العراقي والعربي، الذي ابتعدت عنه جغرافياً منذ هجرتي إلى أميركا في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم. أما النصوص التي أعود إليها فهي كثيرة، منها: دواوين بابلو نيرودا ومحمود درويش الشعرية، أغاني فيروز وناظم الغزالي، مجموعة قصصية أميركية بعنوان "أربعون قصة لما بعد الحياة" لديفين إيغلمان، كذلك أعود إلى القرآن والإنجيل. 


■ ماذا تقرأين الآن؟
حالياً أقرأ رواية طويلة جداً من جورجيا بعنوان "الحياة الثامنة" لكاتبة اسمها نينو هاراجفيلي، هذا بالإضافة إلى المجموعات القصصية المُدرجة على القائمة الطويلة لـ"جائزة المُلتقى" هذه السنة.


■ ماذا تسمعين الآن وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
عرّفتني مؤخراً طالبة جامعية بفرقة من بروكلين نيويورك، من أصول شرق أفريقية، تدعى Alsarah & The Nubatones. أحببتُ كثيراً إيقاع أغنيتهم المعنونة "حبيبي تعال"، وأرجو أن تنال إعجاب القرّاء. 
 

 

بطاقة
كاتبة ومترجمة من مواليد العراق عام 1978، تعمل أستاذة للغة والأدب العربيين في "جامعة بورتلاند ستيت" بأوريغون الأميركية. حاصلة على دكتوراه في الدراسات العربية من "جامعة ميشيغان" عام 2008. صدرت لها دراسات أكاديمية، منها: "الكلدان: السياسة والهوية في العراق والولايات المتحدة" (2019). من ترجماتها إلى الإنكليزية رواية "الفتيت المبعثَر" لمحسن الرملي و"إغماض العينين" للؤي حمزة عباس. وصلت مجموعتها القصصية الأولى "أرض الخيرات الملعونة" (2021) إلى القائمة الطويلة لـ"جائزة الملتقى" الكويتية في دورتها الخامسة (2022).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون