تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية، في أسئلة سريعة عن انشغالاتها وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "العرب لعبوا دوراً مهمّاً في تطوّر تاريخ الطعام وانتشاره في أوروبا"، تقول الباحثة والمؤرّخة العراقية في حديثها إلى "العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلكِ هذه الأيام؟
- هذه الأيام عندي الكثير من المشاغِل. لقد قدّمتُ مؤخّراً للناشر ترجمتي الإنكليزية لكتاب طبخ أندلسيٍّ، لمؤلِّف مجهول عاش في القرن الثالث عشر للميلاد، بعنوان "أنواع الصيدلة في ألوان الأطعمة".
■ ما هو آخر عمل صدر لكِ وما هو عملكِ القادم؟
- آخِر أعمالي المنشورة ترجمةٌ إنكليزية لكتاب طبخٍ أندلسيٍّ أيضاً، هو "فضالة الخوان في طيّبات الطعام والألوان" لابن رزين التجيبي، وصدر عام 2021 عن "منشورات بريل". أمّا عملي القادم، فأستعدُّ للبدء في مشروع جديد، عن تاريخ الطعام العربي، أقدّمه لسلسلة "أطعمة وأُمَم" التي تصدر عن "ريأكشن بوكس".
■ هل أنتِ راضية عن إنتاجك ولماذا؟
- بالتأكيد. استقبل المتخصّصون وعامّة القرّاء على حدّ سواء أعمالي المُترجَمة بحماسة شديدة، خاصّة المُهتمّين بتاريخ الطعام في العصور الوُسطى في العالم العربي والإسلامي. ولا شكّ في أنّ هذه أعمال تسدّ ثغرة في معرفتنا بتاريخ الطعام خلال هذه الحقبة، لأن العرب لعبوا دوراً مهمّاً في تطوّره وانتشاره في أوروبا.
أعمال تسدّ ثغرة في معرفتنا بتاريخ الطعام في العصور الوسطى
■ لو قُيّض لكِ البدء من جديد، أيّ مسار كنت ستختارين؟
- بصراحة، لن أستبدل ما قمتُ بإنجازه بأيّ مسار آخر. فأنا مقتنعة بأنّ ما أفعله ضروريٌّ لفهم ماضينا بشكل أفضل وتقييمه وتقديره. أعتقد أنه من المهم أن يقوم شخص من الثقافة نفسها ـ شاهد عيان ـ باستكشافها والتعريف بها.
■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
- أنتظر أن يعود العالَم إلى رُشده، ويُوقف كلّ الظُّلم والقسوة والتحيّزات ــ والقائمة تطول في هذا الصدد. أريد السلام والعدالة والمُحاسَبة.
■ شخصية من الماضي تودين لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- أحبّ حقاً لقاء ابن سيّار الورّاق. فهو كتَب كتاباً ضخماً عن الطبيخ في بغداد خلال القرن العاشر للميلاد، وحمل عنوان "كتاب الطبيخ"، وقد ترجمتُه إلى الإنكليزية بعنوان "حوليات من مطابخ الخلفاء". ورغم أنّ التاريخ لم يترك لنا عنه كلمةً واحدةً، لكنِ انطلاقاً من كتابه، بدا لي أنّه كان شخصاً مَرِحاً للغاية، وعالماً ذوّاقة وفضولياً. لديّ ألفُ سؤال لأطرحه عليه، حول جميع كتُب الطبخ التي استخدمها وفضّلها، والمكتبات التي عثَر عليها، وفنّ الطهيّ الذي يعرفه، وما إذا كان سعيداً بالتعويض الذي حصل عليه ممّن كلّفه بوضع الكتاب، وكيف يُمكنه أن يُخبرنا عن كلّ ذلك؟ لسوء الحظ، التاريخ يسمح لمثل هذه "الأمور العادية" بالمرور تحت راداره دون أن يلاحظها أحد.
■ صديق/ة يخطر على بالك أو كتاب تعودين إليه دائماً؟
- يخطر لي كتاب "إله الذُّباب" للروائي البريطاني ويليام غولدينغ، وقد كتبه في منتصف القرن العشرين. ويتحدّث عن مجموعة من تلاميذ المدارس الذين تقطّعت بهمُ السُّبل بمفردهم على جزيرة، وإلى أيّ مدى يتقهقر هؤلاء الأولاد المتعلّمون جيداً إلى حالة بدائية بعيداً عن الحضارة الحديثة. بالنسبة إليّ، هذا العمل تعليقٌ قويٌّ على وضع الإنسان، ويتبادر إلى ذهني كلّما شاهدتُ الأفعال اللاإنسانية التي يستطيع البشر إلحاقها بأقرانهم من البشر.
■ ماذا تقرأين الآن؟
- أقرأ مكتبة كاملة تحتوي كتباً عن تراث الطعام العربي، تجهيزاً لمشروعي الجديد.
■ ماذا تسمعين الآن وهل تقترحين علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أتمتّع بالاستماع إلى بعض المقطوعات القديمة لشريفة فاضل، مثل "حارة السقّايين". حزنت لسماع خبر وفاتها في الخامس من آذار/ مارس الماضي. لقد كانت بالفعل ملكة أغاني "البوب" العربية، كما تمكّنت من جَلْب الفرح إلى قلوب ملايين المُستمعين، مع أغانيها المرحة التي تدور حول الأشخاص العاديّين وهم يُمارسون أعمالهم اليومية. هي نفحة هواء نقيّ، بعيداً عن الأجواء المُفعمة بالإغراءات وتنهّدات العشّاق البائسين وما شابه.
بطاقة
باحثة عراقية ومؤرّخة مختصّة بتاريخ الطعام في العالَم العربي، تُقيم في نيوهامشير بالولايات المتّحدة الأميركية. عملت سابقاً أستاذة للأدب الإنكليزي في جامعتَي "بغداد" و"الموصل". صدر لها بالإنكليزية: "التاريخ العالمي للتُمور" (2011)، و"ملذّات جنّة عدن: كتاب عن الطبخ العراقي وتاريخه" (2013)، بالإضافة إلى عشرات الأوراق والدراسات البحثية التي نشرتها في المجلّات العِلمية. كما ترجمت إلى الإنكليزية عدّة كتب تراثية في مجال اختصاصها، منها: "فضالة الخِوان في طيّبات الطعام والألوان" لابن رزين التجيبي (2021)، و"كنز الفوائد في تنويع الموائد"، لمؤلّف مجهول من العصر المملوكي (2020)، و"كتاب الطبيخ" لابن سيّار الورّاق (2010).