تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة عن انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "نجاحي أكاديمياً جاء على حساب مهنتي معمارياً"، يقول الباحث والمعماري المصر في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
يشغلني الكثير، وبصفةٍ عامّة حالُ العالم: مثل ظهور الفاشية من جديد في الكثير من الدول الأوروبية، وعودة الدكتاتورية التي كانت نظام حُكم لدول عديدة في الجنوب، وتقنين الاضطهاد العنصري في بعض المناطق التي تخيّلنا أنها تخلّت عن تاريخها الأسود في هذا المجال.
■ ما آخر عمل صدر لك، وما عملك القادم؟
صدر لي أخيراً كتاب بالإنكليزية، بعنوان "القاهرة مؤرّخة ومُمثّلة"، كذلك تُرجم لي حديثاً، إلى العربية، كتاب "تقاليد التراث: عن الهوية والعمارة والعمران ــ ما بين الأصيل والمقلّد والمتخيّل" (دار "العين"، ترجمة أميمة صبحي). بدأت حالياً بكتاب جديد بالإنكليزية، بعنوان مبدئي هو "فقر العمارة وعمارة الفقر".
■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
بصفة عامّة نعم، رغم أنني عندما أنتهي من أيّ كتابٍ، وفَور صدوره، أُدرك أنّ هناك مواضيع أُخرى كان من الممكن أن أعالجها فيه. ولكنّني أنظر دائماً إلى كلّ كتاب على أنه يمثّل مرحلةً من مراحل عِلمي وثقافتي، فليس هناك كمالٌ في أي إنتاج إنساني.
من الهندسة المعمارية وتخطيط المدن إلى تاريخ العمران
■ لو قُيّضَ لك البدء من جديد، فأي مسار كنت ستختار؟
لا أظنّ أنني كنت أختار أيّ طريق آخر لحياتي، فقد كان تعليمي منذ البداية في مجال الهندسة المعمارية، وانتقلتُ بعد ذلك إلى مجال تخطيط المدن، ثم تخصّصت في تاريخ العمران، ما أعطاني خلفية موسوعية أفادتني جدّاً في كتاباتي. وقد بنيت القليل من المباني، مع أني كسبت بعض المسابقات المعمارية العالمية المهمّة، إلّا أن نجاحي أكاديمياً جاء على حساب مهنتي معمارياً.
■ ما التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
العالم دائماً متغيّر، وسيظلّ على هذه الحالة ما دام هنالك بشرٌ على هذه البسيطة. كانت عندنا الفرصة في بداية القرن الحادي والعشرين لأن نخلق، بسبب العولمة، مناخاً نصبح فيه مواطنين عالميّين، ننتمي إلى كلّ الكُرة الأرضية، وليس فقط إلى الدول القومية، والهويات الوطنية التي وُلدنا بها، ولكنّ هذا الأمل لم يَدُم طويلاً بسبب أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، والحروب التي تلتها.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
في الحقيقة، لم أفكّر في هذا الموضوع بجدّية. أعتقدُ أنني أقابل الكثير من هؤلاء الكُتّاب من خلال كتُبهم وسيرتهم الذاتية. ولكن بما أنّنا نفترض ذلك، فأتمنى أن أعيش ككاتب ومؤرّخ في العصر اليوناني لأقابل سقراط، أو فترة الخمسينيات وستينيات القرن الماضي في مصر حتى أقابل طه حسين، حيثُ أعتبر هذين الكاتبَين من أهمّ الشخصيات الثقافية في التاريخ العالمي والعربي.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
كتابان أعود إليهما دائماً، لأنني أعتبرهما من أحسن ما كُتب في مجال التاريخ والعلوم الاجتماعية والإنسانية، هما: "اختراع التقاليد" لإيريك هوبزباوم وترانس رينجر، و"الجماعات المتخيَّلة" لبندكت أندرسون.
■ ماذا تقرأ الآن؟
أقرأ الآن النسخة العربية المترجمة من كتاب المؤرِّخ المصري خالد فهمي "السعي للعدالة"، الصادرة هذا العام، وكنت قد قرأتُ النسخة الأصلية، الإنكليزية العام الماضي. هو كتاب مهمٌّ ويجب أن يُقرأ أكثر من مرّة، لأنه تأريخٌ لواقع الحياة الاجتماعية للمصريين في القرن التاسع عشر، بشكل لم يُسبق له مثيل.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
أستمع إلى جميع أنواع الموسيقى العربية والغربية، وأمتلك مجموعة جيّدة من معظم أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب القديمة، وعادةً ما أستمع إلى بعضها عندما يكون الوقت متاحاً.
بطاقة
باحث ومعماري من مصر، من مواليد عام 1956. يعمل أُستاذاً للعمارة والتخطيط والتاريخ العمراني في "جامعة كاليفورنيا - بيركلي". عمل رئيساً لـ"مركز دراسات الشرق الأوسط" (CMES)، وشارك في تأسيس "الجمعية الدولية لدراسة البيئات التقليدية" (IASTE)، ورأس تحرير المجلّة العلمية "المساكن التراثية والمستوطنات التقليدية"، (TDSR). من مؤلّفاته: "النيل: مدن وحضارات على ضفاف نهر" (2020)، و"تقاليد التراث: الأصيل والمُتخيّل والافتراضي" (2014)، و"القاهرة: تواريخ مدينة" (2011)، و"المدينة الأصولية؟" (2010)، و"العمران السينمائي" (2006)، و"اختلاق قاهرة القرون الوسطى" (2005)، و"نهاية التراث" (2004)، و"عشوائيات العمران" (2002)، و"العمران المهجَّن" (2001)، و"استهلاك التقليد وتصنيع التراث" (2000)، و"نماذج الهيمنة بالعمران" (1992)، و"مدن وخلفاء" (1991).