تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "التغيير الذي أنتظره هو أن تتساوى المجتمعات في الحق في المعرفة والثروات، وتتجاوز الشعوب المضطهدة التبعية وأشكال الاستغلال"، يقول الباحث التونسي.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- منذ مدة أشتغل على الحدث الثوري الذي مثّل نقطة لاعودة، وأحاول عقلنة مفهوم "الربيع العربي" والتفكير في إشعاع التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي على الصعيد العربي. يتنزّل هذا الاشتغال ضمن حقل الفلسفة التطبيقية التي تضمّ مباحث السياسة والمجتمع والاقتصاد والقيم والحياة والطب، وضمنها يمكن أن نفكّر في المخارج الممكنة من الأزمة الصحية التي سببها الوباء.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر ما أصدرتُ كتاب "فلسفة بول ريكور بين المنعطفات والوساطات" في العام المنقضي، وفرغتُ مؤخراً من كتاب حول التفلسف زمن كورونا وهو مجموعة حوارات فلسفية تتأمل في الوضع البشري راهناً. بشكل عام، كثّفت مؤخراً من اشتغالي على النص الفلسفي الإنكليزي بعد مكوث طويل مع النص الفلسفي الفرنسي، وفي هذا السياق أصدرتُ كتاب "عناصر الذهن البشري عند جون لوك".
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- هناك تعطيلات جمّة تنعكس على الأداء وحركية الإنتاج العلمي، ومقابلها هناك جهد مبذول ضد كل ما يجذب إلى الخلف ويرفض الإبداع والاختلاف. أنا منخرط ضمن التفلسف الملتزم بالتغيير من أجل مقاومة الفساد المستشري في الأطر الاجتماعية للمعرفة والمؤسسات المعطوبة. كما أنني منخرط جذرياً في قضايا الأمة وأسعى إلى تقديم بدائل إجرائية للفضاء العمومي.
باتت الصداقة في أيّامنا عملة نادرة، قصيرة مثل الومضة الإشهارية
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- البدء الجديد، من زاويتي، يستلهم جديد الفلسفة المعاصرة الذي تجسّد بشكل ملموس في مدارس الفينومينولوجيا والهرمينوطيقا والإيتيقا والانخراط في وصف عالم الحياة الذي نعيشه في وجودنا اليومي، وفي تأويل التراث، والنقد العلمي للحداثة والتبشير بالأفق الذي تفتحه البيوإيتيقا والإيكولوجيا والسياسة الحيوية وفلسفة الصحة. ويحتاج ذلك إلى تطعيم بمكاسب تحققت على صعيد الثورة الرقمية وجديد العلوم البيولوجية وعلوم الذهن والفلسفة العصبية ومنجزات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- هناك بشائر للتغيير، فالعالم يمر من هيمنة الغرب على الشرق، ومن سيطرة الشمال على الجنوب، ومن سطوة القطب الواحد إلى عالم متعدّد الأقطاب. هذا مكسب يساهم في التغيير الذي أنتظره بأن تتساوى المجتمعات في الحق في المعرفة والثروات، وتتجاوز الشعوب المضطهدة التبعية وأشكال الاستغلال، ومن ثمّ تجد قضايا مصيرية تسويتها العادلة مثل قضية فلسطين.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- هناك دائماً لقاء لازمنيّ بشخصيات الماضي. لقاء يتمّ عن طريق قراءة سيرهم واستذكار ملاحمهم والاقتداء بمواقفهم ومطالعة آثارهم ومؤلفاتهم وإعادة تشكيل رمزيّتهم وتصوّراتهم المختلفة.
في بلداننا، هناك تعطيلات جمّة تنعكس على حركية الإنتاج العلمي
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- لن أذكر أحداً بعينه. الصداقة قيمة فلسفية كبيرة ولكنّها تحوّلت إلى عملة نادرة وسلعة تجارية، وباتت قصيرة مثل الومضة الإشهارية، فتكاثر نموذج أصدقاء المصلحة. مفهوم الصداقة في حاجة إلى إعادة التفكير فيه في زمن الحجر الشامل الذي عطّل التواصل مع الآخرين.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أجبّ التجارب الإبداعية ضمن الفن الملتزم والموسيقى الهادئة.
بطاقة
أستاذ الفلسفة في "كلية الآداب والعلوم الإنسانية" في القيروان. من مؤلفاته: "لزومية العود على بدء أو استراتيجيات فلسفية" (2007)، و"معان فلسفية" (2009)، و"الهوية السردية والتحدي العولمي" (2011)، و"كونية القول الفلسفي عند العرب" (2013)، و"عناصر الذهن البشري عند جون لوك" (2017)، و"فلسفة بول ريكور بين المنعطفات والوساطات" (2020).