هيام يارد.. أوبرا جسد يخرج من النسيان

10 أكتوبر 2022
اشتغلت لغة هيام يارد ضمن حبكة مسرحية تذكّرنا بنصوص الأوبرا التأسيسية
+ الخط -

ليس ثمّة مبالغة في القول إن الأوبرا قد تكون الشكل الأقلّ حظوةً، في السياق العربي، بين الفنون، حيث لا نقرأ أو نسمع عن تأليفة أو أداء أعمال أوبرالية عربية إلّا نادراً. ليس السبب، بالتأكيد، أن الأوبرا فنٌّ نشأ في الغرب.

فالرواية أيضاً وُلدت في أوروبا، لكنّها سرعان ما وجدت تربةً خصبة في اللغة العربية منذ مطلع القرن الماضي، حتى بتنا اليوم ننسى أنها فنٌّ حديث نسبياً على الضاد. والأمر نفسه ينطبق على العديد من الأشكال الأدائية والغنائية، ومن ذلك، على سبيل المثال، فنّا الجاز والروك، اللذين تشتغل فيهما فِرقٌ موسيقية عربية باتَت أكثر من أن تُحصى.

أمّا الأوبرا، فلا نكاد نجد مؤلّفاً عربياً واحداً خصّص مسيرته لهذا الفن، أو برز فيه. ولم يشفع لهذا الفنّ أن كان عدد من مؤلّفيه الكِبار، في أوروبا، قد توجّهوا في مواضيعهم وأفكارهم نحو الثقافة العربية، ضمن نظرة تمزج بين الاستشراق والتهويم، كما فعل الإيطالي جوزيبي فيردي في "أوبرا عايدة"، أو الألماني ريتشارد شتراوس في عمله "أرابيلّا".

ولعلّ التجارب الأوبرا القليلة التي سجّلتها البلدان العربية، ولا سيّما خلال القرن الماضي، تقوم بالأساس على اهتمام بالتأليف الموسيقي، حيث جاء المؤلّفون من عوالم الموسيقى (أو حتى الغناء) إلى التأليف الأوبرالي، كما هو حال الموسيقيّين المصريين عزيز الشوان وكامل الرمالي، أو مع المؤلّف الموسيقي اللبناني وديع صبرا.

أتاحت الأوبرا للكاتبة الذهاب أبعد من الواقع الراهن، واستحضار الماضي

كلّ هذا يجعل من التفات كاتب أو كاتبة عربية إلى هذا الفن المهجور أمراً يستحقّ التوقّف والملاحظة، وهو ما تفعله الروائية والشاعرة اللبنانية باللغة الفرنسية هيام يارد (1975)، في عملها "هذيانٌ عِشقيّ" (انظر النصّ)، الذي سبق أن قُدّم بالألمانية بتلحين الموسيقار اللبناني زاد ملتقى على خشبة Deutsche Oper Berlin ودور أُخرى في ألمانيا أواخر 2019.

لا تحيد صاحبة رواية "تحت العريشة"، في أوبراها هذه، عن الاهتمامات التي تشغل نصوصها السردية، حيث تحضر مفرداتٌ من التاريخ ــ تاريخ لبنان، وغيره من البلدان العربية ــ كعُمق للنصّ، وهو تاريخٌ/ جسدٌ تُخرجِه من النسيان شخوصُها التي غالباً ما تعيش اشتباكاً معه وبحثاً فيه.

لكنّ الفضاء الغنائي، الذي يُتيحه فنّ الأوبرا عادةً، يسمح للكاتبة هنا بالذهاب أبعد من الواقع الراهن، ويفتح الباب على استحضار للماضي البعيد (حضارتا صور وقرطاج) ضمن لغةٍ تسعى إلى استنفاد ممكنات الأوبرا من إحساس شعري، وبناء غنائي، وإظهار للعواطف، وذلك ضِمن حبكةٍ مسرحيةٍ تذكّرنا بالنصوص التأسيسية في الأعمال الأوبرالية الأوروبيّة.



بطاقة:

شاعرة وروائية لبنانية تكتب بالفرنسية، من مواليد 1975 في بيروت. بدأت إصداراتها عام 2001 بمجموعة شعرية حملت عنوان "انعكاسات القمر"، أتبعتها بثلاث مجموعات أُخرى وست روايات، من بينها: "خزانة الظلال" (2006) و"تحت العريشة" (2009) التي نقلتها إلى العربية ماري طوق. صدر لها العام الماضي كتاب حول انفجار مرفأ بيروت بعنوان "انفجارات". كما أسّست "نادي القلم اللبناني" عام 2012.

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون