هموم شعرية: مع محمد خضر

02 اغسطس 2024
محمد خضر
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الهاجس الحالي وعلاقة الشاعر بالقارئ**: يعبر الشاعر السعودي محمد خضر عن قلقه من العدوان على غزة ونكسة الأخلاق، ويصف قارئه بأنه الباحث عن الدهشة والتأمل، معبراً عن رضاه بتفاعل القراء المختلفين.

- **النشر والتفاعل مع الناشر**: لا يمتلك خضر ناشراً محدداً ويغير خياراته بناءً على الجودة والاحترام، مشدداً على أهمية النشر في المجلات والصحف الثقافية وحسابات الكاتب الشخصية، لكنه يحذر من فقدان الإحساس بالمفاجأة.

- **الشعر العربي ومزاياه وتحدياته**: يرى خضر أن الشعر العربي يحتاج لمواكبة اللحظة الحالية ليكون مقروءاً على نطاق واسع، مشيراً إلى أن الشعر المترجم أكثر مقروئية، ويتمنى أن يتماشى الشعر العربي مع الهم الإنساني اليوم.

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته، ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. "أتمنّى أن يقف الشعر العربي ندّاً لزمن تقني واصطناعي"، يقول الشاعر السعودي محمد خضر لـ"العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلكَ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- تشغلني هذه الوحشيّة التي تكبر معها تلك المشاعر المخيفة من تعوّد عالَمنا على هذا المشهد اليومي، ومن نكسة الأخلاق والقيم، خاصّة أنّها تستمر من دون أدنى ضمير في جثومها على العزّل والأطفال والضحايا، منتهكة كلّ الأعراف والمنطقي والإنساني ببشاعة القتل والموت بلا حدّ. إلى متى؟ نسأل هذا السؤال الذي لم يعد يملك إجابته أحد، بل لم يعد يسأله أحدٌ.


■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟

- قارئي هو ذلك الشخص الذي ‏لا ينتظر في النهاية أن يصل إلى رياضيات محدّدة أو معلومة أو مخدّر ما، هو ذلك المشغول بدهشة ما. أكتب للمؤمنين أنّنا قد نجد أنفسنا تماماً في عبارة لم يلتفت إليها أحد، وأعرف أنّهم كُثر في أماكنَ كثيرة، من تصلهم الكلمات في حديقة، ‏أو غرفة معتمة، أو ممرّ من الحجارة الملوّنة، أو قبل أن يحسم أحدهم أمر مصيري بثوانٍ. ‏وأكتب للذي يسرح وحيداً وصامتاً، ولعابرٍ لم يكن منتبهاً أنّه فكرة نصّ فريد. قرّائي أولئك الذين ستتقاطع لحظات من حياتهم في يوم ما مع سطر في قصيدة أو عبارة كتبتُها هنا أو هناك... وللحزانى والمُتعبين من هذا العالم.

لا أعرف إن كنت مقروءاً بشكل جيّد أو لا، لكن ما يصلني من القرّاء يرضيني، لأنّه من قرّاء مختلفين ولديهم أسئلتهم وآفاقهم الجميلة.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر؟ هل لديك ناشر؟ وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟

- ليس لدي ناشر محدّد. تتغيّر الخيارات بين فترة وأخرى لأسباب كثيرة، بعضها متّصل بالجودة وما يتعلّق بالأمور الفنّية، وبعضها بالبحث عن ناشر مثقّف يحترم عملك. ما يطمح له أي كاتب هو انتشار عمله بفضل دار النشر، ووصوله إلى القارئ، والتزام الناشر بالوعود التي يسردها عليك في البدايات.

ينبغي التعامُل مع النشر على مواقع التواصل بوعي وحذر

■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟

- النشر في المجلّات أو الصحف الثقافية، أو حسابات الكاتب الشخصية، مهمّ ويمنح أحياناً محفّزاً أو إشارة جيّدة أو ملاحظة قد تكون مفيدة قبل إصدار الكتاب. كذلك يمنح قارئاً جديداً ومهتمّاً في كلّ مرّة. لكن على الكاتب ألّا ينشر كلّ شيء؛ حتى لا يفقد ذلك الإحساس الخاصّ بالمفاجأة والترقّب والاشتغال على تجربته بجديّة، بعيداً عن إغراءات المواقع الإلكترونية.


■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممّن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟

- هذه مساحات جديدة للكتابة، لم يتغيّر شيء عن النشر في الصحف والمجلّات الورقية. تغيّرت الوسيلة فقط. أنشر شعري وكتاباتي في مواقع التواصل. دائماً يشبه ذلك المختبر الذي يأخذك إلى كثير من الآراء التي قد تكون مفيدة أو محفّزة للكتابة، لكنّي، وبشكل عام، لم أعُد أنظر إلى التفاعل مع نصّ ما على أنّه تفاعل حقيقي، فهو مرهون بعدد متابعين أو تفاعل مزيّف. كثيراً ما نقرأ نصوصاً ركيكة ومليئة بالأخطاء يتجمهر حولها كثير من المعلّقين الذين يشيدون بها، وكذلك يفعل بعض زملائي فيكتب بعضهم تجربة كاملة تولد معه وتكبر في موقعه أو حسابه الشخصي وتخرج في كتاب بعد ذلك، عمل جيّد وقد يكون جديداً ومبهراً، لكن فيه ما فيه من مغامرة لا بدّ أن تتعامل معها بوعي وحذر.


■ مَن قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟

- متى ما تحرّك الشعر العربي من ذاكرته ليعيش لحظة وأسئلة اليوم والمتغيّر والجديد في العالم؛ سيعود ليكون مقروءاً من جديد، وعلى نطاق واسع وشعبي. متى صدرت المجموعة الشعرية أو الديوان الذي لا تستطيع توقُّع ما يحتويه من دهشات ومن نصوص مفارقة وموضوعات جديدة تشبه حياتنا سيعود ذلك الشعر مقروءاً. اليوم تُكتب الكثير من القصائد والأعمال المتشابهة والمتناسخة والسائدة، ذات الموضوعات والأشكال المكرّرة التي أعطت القرّاء وإنسان اليوم انطباعاً بأنّه لا جديد في هذا العالَم الشعري، وأنّ كل ما سيُكتب كُتب قبل هذه المرّة.


■ هل توافق على أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟

- نعم أتّفق معك، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ الشعر العربي ظلّ لفترات طويلة، ولا يزال، يُقدَّم على أنّه درس ونمطي. على الشاعر أن يُتقنه أكثر من كونه شعراً، وعلى القارئ أن يؤمن بأنّ للشعرِ حدوداً وقالباً صارماً، لذا ظلّ محدّداً بعوالم فنّية وأشكال قارّة فقدت معها قارئها. حتى تجد أنّ ألفية ابن مالك في النحو يعدّها البعض شعراً فقط لأنّها كُتبت وفق ضوابط الشعر العربي، هذا واحد من الأسباب التي دعت القارئ إلى البحث عن الشعر في الشعرية القادمة من العالم، من أوروبا، والهند وأفريقيا، وكلّ مكان، ليجد هناك آفاقاً أُخرى.


■ ما مزايا الشعر العربي الأساسية، وما نقاط ضعفه؟

- لا أفصل بين مفهوم الشعر والشعر العربي، فالشعر فنّ متّصل بأمم وحضارات وشعوب العالم كلّه. لكنّي أعتقد أنّ أزمة شعرنا العربي هي أزمة ذاكرته العريقة التي كان يمكن قراءتها اليوم بشكل مختلف، يخلق ذلك الامتداد إلى اليوم، ويستمر في تجديده، مواكباً وموظّفاً طاقته اللغويّة الكبيرة. للأسف ما زلنا نقرأ حالات من الكتابة التي تستعيد ذلك الإرث الجمالي الهائل كما هو دون أن نجعله ممثّلاً لنا في حياتنا اليوم، وبالتالي من دون أن يشبهنا.


■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟

- يخطر في بالي أحياناً عبد الله البردوني عائداً بـ"مدينة الغد" وقد وجد "جواب العصور". محمّد الماغوط و"غرفته المليئة بملايين الجدران"، وأبو العلاء معتذراً عن لزومياته بعد الهايكو، والمتنبّي، وصلاح عبد الصبور بـ"أحلام الفارس القديم"، وعلي الدميني وقد استعاد "بياض الأزمنة".


■ ما الذي تتمنّاه للشعر العربي؟

- أتمنّى أن يمضي الشعر العربي إلى لحظة متماهية أكثر مع الهمّ الإنساني اليوم، وأن يجد في طريقه أولئك الشعراء الذين يكتبونه بلغة وفكرة تشبه لحظتنا على الأقل، في قضاياها وهمومها وعالمها المتجدّد، ليقف ندّاً لزمن تقني وإلكتروني واصطناعي، وهذا ما لا يمكن إلّا مع شعراء قادرين على قراءة واقعهم ولحظتهم الجديدة بوعي.



بطاقة

شاعر سعودي من مواليد أبها جنوبي السعودية عام 1976. من إصداراته الشعرية: "مؤقّتاً تحت غيمة" (2002)، و"صندوق أقلّ من الضياع" (2006)، و"المشي بنصف سعادة" (2007)، و"تماماً كما كنت أظن" (2009)، و"منذ أول تفّاحة" (2014)، و"لئلّا ينتبه النسيان" (مختارات/ 2015)، و"عودة رأسي إلى مكانه الطبيعي" (2017)، و"تحميض" (2018)، و"فراغ في طابور طويل" (2019)، و"سيرة ذاتية لغيمة" (2023). صدرت له رواية بعنوان "السماء ليست في كلّ مكان" (2011).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون