هدم "المسرح العائم".. هل يُطبّق القرار في ظل الاستنكار الواسع؟

14 أكتوبر 2024
المدخل الرئيسي لـ"مسرح فاطمة رشدي العائم"
+ الخط -

أثار قرار هدم "المسرح العائم" في القاهرة، استياء قطاع كبير من المسرحيِّين والفنّانين المصريين، بشكل عام، خاصة وأنه يعدّ من أقدم المسارح في البلاد ويعود تاريخ افتتاحه إلى عام 1960 في إطار خطة "وزارة الثقافة والإرشاد القومي"، في حينها، لافتتاح عدد من دور العرض المسرحي الجديدة بالقاهرة والأقاليم.

وأعربت الفنّانة المصرية سميحة أيوب عن غضبها الشديد جرّاء قرار الهدم وقالت في مداخلة هاتفية، مع إحدى المحطّات التلفزيونية المحلّية: "إن قرار الهدم، ما هو إلا تشويه لفكر البلد ولثقافتها، نحن نتطلّع إلى بناء العديد من المسارح ودور العرض فكيف نهدم؟". وقد أثنت الناقدة المسرحية سامية حبيب، على كلام سميحة أيوب، وناشدت الدولة بالحفاظ على "المسرح العائم". في المقابل، رفض مدير "المسرح القومي"، الممثّل أيمن الشيوي، التعليقَ على الموضوع، واكتفى بالقول لـ"العربي الجديد": "إن الصورة لم تتّضح بعد".

ورغم توقّعات بعض روّاد مواقع التواصل الاجتماعي بعدم هدم المسرح إثر المناشدات العديدة التي رُفعت لرئاسة الجمهورية، إلّا أنّ مدير فرقة "المسرح الحديث"، الفنّان محسن منصور، أكّد لـ"العربي الجديد" قرار الهدم وأنه سيتم تنفيذه فعلياً يوم الخميس المقبل، ولم يتحدّث منصور، سوى عن موعد الهدم فقط، ولم يعلّق على القرار نفسه.

من أبرز المستنكرين الفنّانون: سميحة أيوب وسامية حبيب ومحمد الشافعي وياسر أبو العينين

من ناحيته فقد أعرب المخرج والناقد المسرحي محمد الشافعي، والذي كان يشغل منصب مدير "المسرح العائم"، وكان واحداً ممّن أشرفوا على تطويره، عن حزنه واستيائه لما سيحدث للمسرح، موضحاً "أنّها خطّة مُمنهجة لهدم المسرح المصري بما يحمله من تراث ثري، فهذا المسرح الذي لطالما شهد وقوف عمالقة الفنّ على خشبته هل يكون مصيرُه الهدم؟ إنها كارثة بكل المقاييس".

وأضاف الشافعي لـ"العربي الجديد": "شهدتُ من قبل واقعة حضور أحد الألوية في الشرطة بالجرّافة لهدم 'المسرح العائم' وعلى الفور تم الاستغاثة عن طريق المخرج السيد راضي، بالسيدة سوزان مبارك، التي تحدّثت حينها مع وزير الداخلية والمحافظ وتم التدخل الفوري لوقف التنفيذ وهو ما حدث بالفعل ولم يستطع أي شخص هدمه".

وطالب الشافعي، فنّاني مصر الكبار بأن يقفوا يداً واحدة في وجه هذه الكارثة، ويرفضوا المساس بالمسرح الذي كان سبباً في تواجدهم في الفنّ فقد شهد "المسرح العائم" ميلاد فنّانين كبار مثل الفنّان محمد هنيدي الذي قدّم عليه أول مسرحية له بعنوان "دكتورز زعتر" عام 1988، والفنّان أشرف عبد الباقي الذي عرض مسرحية "شيزلونغ". وتساءل الشافعي: "هل يجوز أن يُهدَم المسرح من أجل المنفعة العامة، لأنه في موقع متميّز، أين الحفاظ على تراثنا المسرحي؟"، وتوجّه بصرخة إلى وزير الثقافة المصري، وقال: "إن لم تكن قد جئت للصالح العام فعليك أن تترك مكانك".

سميحة أيوب - القسم الثقافي
سميحة أيوب، مسقط، 2004 (Getty)

وناشد الممثل والمخرج المسرحي ياسر أبو العينين، كُلّاً من المخرج خالد جلال، رئيس قطاع شؤون الإنتاج الثقافي، ونقيب الممثّلين أشرف ذكي، بالتدخّل، وكتب عبر حسابه على فيسبوك: "أُناشد الأستاذ خالد جلال، والأستاذ الدكتور أشرف زكي، بما لهما من علاقات واتصالات، على أعلى مستوى بجميع أجهزة الدولة، إيصال صوت جميع مثقّفي مصر والمهتمّين بالمسرح إلى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ودولة رئيس الوزراء للحيلولة دون تنفيذ قرار الهدم الخاص بمسرَحي العائم الصغير والكبير، وما يلحق بهما من حدائق، غرَسَ أشجارَها فنّانون بأيديهم منذ سنوات بعيدة".

واندهش رئيس ديوان الشعر العامي في "الهيئة العامة المصري للكتاب"، الكاتب يسرى حسان، من القرار، وعلّق: "أخبرني صديق أنَّ الدولة في طريقها إلى هدم 'مسرح فاطمة رشدي العائم'، قلت أظن إنّها مجرد شائعة لا توجد دولة محترمة تفعلها، وبشكل عام لا لهدم أي منشأة ثقافية، كفاكم تجريفاً".

وعلّق الممثل المسرحي حسام داغر، على القرار مستعرضاً في البداية تاريخ المسرح وإلى أي حدّ ارتبط به الفنانون، وكتب عبر حسابه على فيسبوك: "يشاء القدر أني أعيش وأشوف الحلم وهو بيتهدّ للأبد، ويكون في قرار بهدم المسرح العائم، بدلاً من إعادة إحياء الفكرة الجميلة تاني، لفّيت بلاد العالم لقيتهم يفخروا دوماً بمسارحهم لدرجة أن المسرح الذي أسّسه ويليام شكسبير، نفسه لا زال قائماً في لندن، بنفس إمكانياته وشكله مع التجديد ويُعتبر قِبلة السائحين من جميع أنحاء العالم...". وبتعليق مقتضب على فيسبوك، كتب الفنان صبري فواز: "المسرح العائم.. ميّت في يوم القيامة". كذلك علّق الممثل المصري محمد علي رزق: "همّا بجد هيهدّوا المسرح العائم، ما تسيبوا المسارح في حالها يمكن اللي مش عاجبكوا دة ربنا يخليه سبب إنه يصلح حالنا".

الجدير بالذكر أن "المسرح العائم"، يُعدّ من أقدم المسارح في مصر، حيث جاءت فكرة إنشائه في فترة الخمسينيات، في عهد وزير الثقافة الأسبق ثروت عكاشة، وكان المسرح عبارة عن "عوامة"، تتنقّل في رحلات نيلية وتعرض المسرحيات، ثم تعود العوّامة إلى مكانها الثابت بعد انتهاء العرض، وهو ما كان يضيف متعة خاصة للعروض، وبعد سنوات طويلة أُطلق على المسرح اسم الفنانة فاطمة رشدي، وذلك أثناء تكريمها في فترة السبعينيات من قبل الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، في عيد الفنّ.

ومن أهم العروض التي شهدها "المسرح العائم": "بداية ونهاية" من بطولة الفنانَين فريد شوقي ومحمود يس، و"زقاق المدق" عن رواية الأديب نجيب محفوظ، و"قسمتي" تمثيل فؤاد المهندس وسحر رامي وإخراج السيد راضي، و"مولد سيدي المرعب" للفنان الراحل نجاح الموجي، و"خلي بالك من راسك" و"اللي بنى مصر" للفنان الراحل محمود الجندي، و"نواعم" لفيفي عبده.

وإلى جانب ما سبق كان "المسرح العائم" ملتقى للفنّانين، حيث يتجمعون فيه خاصة وأنه لم يكن قد تم إنشاء نادٍ لهم بعد، فكان يشهد جلسات كبار المُنتجين والفنّانين مثل عادل إمام وسعيد صالح وصلاح السعدني وغيرهم.
   

المساهمون