استمع إلى الملخص
- يدحض الكتاب الأساطير المحيطة بالهجرة، مثل فقدان الوظائف وعدم السيطرة عليها، مؤكداً أن الطلب على العمالة يدفع الهجرة، ويستعرض النفاق السياسي في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين.
- يتطرق دي هاس إلى الهجرة من المغرب ويخلص إلى أن المساعدات الاقتصادية للحد من الهجرة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، مشيراً إلى أن التنمية قد تزيد من حركات الهجرة.
في العقدين الأخيرين، إذا ما أردنا الحديث عن عمليات التغيير الاجتماعية والثقافية والديمغرافية والاقتصادية التي تؤثّر على مجتمعات البلدان الأوروبية، فإنه لا بدّ من التطرق، بشكلٍ رئيسي، إلى موضوع الهجرة وأثرها. وسيكون من الأفضل دراسة هذه الظاهرة بعمق، والتوقّف عن رؤيتها كمشكلة أو كحلٍّ للمشكلات التي تعاني منها تلك المجتمعات.
هذا ما يخلص إليه أستاذ علم الاجتماع في "جامعة أمستردام" هاين دي هاس، في كتابه "أساطير الهجرة"، الذي صدرت ترجمته الإسبانية عن دار "Planeta"، بعد الإنكليزية والفرنسية، ويتناول فيه ظواهر الهجرة الجماعية الناتجة عن الحروب وأزمات الفقر وتغيّرات المناخ وغيرها من الأسباب إلى تدفع الناس بشكل متزايد إلى عبور الحدود، التي وكما يقول الكاتب "صار من الصعب السيطرة عليها، مهما كانت هذه الحدود شائكة".
يقع الكتاب في 600 صفحة، ولجعله أكثر سهولة، قام مؤلّفه بتقسيمه إلى ما يسميه "اثنتين وعشرين أسطورةً عن الهجرة"، تدور معظمها حول المناقشات السياسية الساخنة التي تدور في صلب المجتمعات الأوروبية، وفي المنابر الإعلامية والبرلمانية، بين التيارات السياسية المختلفة، اليمينية واليسارية، التي تستخدم الهجرة كسلاح سياسي وانتخابي.
استخدام ظاهرة الهجرة من قبل السياسيين الأوروبيين كسلاح انتخابي
يدحض الكتاب العديد من الأكاذيب التي تقنّع ظاهرة الهجرة، مثل أنّها خرجت عن نطاق السيطرة، وأنَّ المهاجرين يسرقون العمل من سكان البلدان التي يصلون إليها، ويوضح أن "القوة الدافعة للهجرات التي تعبر المتوسط هي في غالبيتها الوظائف المتاحة، وليس عدم المساواة والفقر".
يستخدم عالم الاجتماع العديد من الدراسات والأبحاث الاجتماعية والإحصائية لدعم أفكاره، خصوصاً في ما يتعلق بـ"المهاجرين غير الشرعيين"، حيث يؤكد أن "هؤلاء هم في الواقع عمّال مرغوب فيهم"، ذلك أن الاقتصادات الأوروبية تتطلّب كميات كبيرة من العمالة في قطاعات مثل الضيافة، والزراعة، والصحة، ورعاية المسنين، وما إلى ذلك.
وهنا لا يتردد دي هاس في وصف نفاق السياسة الأوروبية والساسة بشكل عام، لأنهم يلعبون لعبة مزدوجة، إذ يدينون الهجرة غير الشرعية ويغضون الطرف في الوقت نفسه عن الوافدين غير الشرعيين لتلبية مطالب العديد من أصحاب العمل الذين يستفيدون بالتالي من العمالة الرخيصة الوفيرة.
ويتابع دي هاس في هذا الصدد، حيث يتناول جهل الاقتصاديين والسياسيين الأوروبيين بالآليات الحقيقية التي تدفع الناس إلى الهجرة، فـ"الطلب الأكبر" ينصب على "العمال من ذوي المهارات المنخفضة أو المتوسطة"، ويناقش الفكر الذي يرى في ظاهرة الهجرة حلاً للمشكلة الديمغرافية الأوروبية المتمثّلة في الشيخوخة السكانية، حيث يعتبر أن تحقيق هذه الغاية يتطلب تعزيز مستويات الهجرة "غير المقبولة وغير الواقعية في الوضع السياسي الراهن"، على حدّ تعبيره.
ويخصّص دي هاس جزءاً من الكتاب لدراسة حركات الهجرة في المغرب، ويصل في نهاية المطاف إلى استنتاج مدعومٍ بدراسات العديد من علماء الاجتماع والجغرافيين البارزين، مفاده أن المساعدات الاقتصادية التي تهدف إلى تعزيز تنمية البلدان الفقيرة بهدف وقف الهجرة تؤدي إلى نتيجة عكسية. والدليل أن هذه البلدان عندما تخطو في طريق التطوّر والتقدّم تزداد الهجرة منها.