هاني بابو.. 4 سنوات وراء قضبان مودي

24 اغسطس 2024
هاني بابو
+ الخط -
اظهر الملخص
- **دعم الأكاديمي هاني بابو:** ندوة عبر زووم لدعم هاني بابو، المعتقل منذ أربع سنوات بسبب نشاطه الفكري والسياسي، ناقشت قضايا الحرية الأكاديمية وحقوق الأقليات في الهند.
- **دور هاني بابو:** يُعتبر بابو مدافعاً عن حقوق العرقيات والطبقات المهمشة، حيث أتاح فرصاً تعليمية للطلاب المهمشين في جامعة دلهي، متحدياً المؤسسات الأكاديمية والثقافية.
- **التحديات والمقاومة:** تناولت الندوة التحديات التي تواجه الحريات الأكاديمية والسياسية في الهند، مشيرة إلى التعاون بين الحكومة الهندية والاحتلال الإسرائيلي في قمع الحريات، وأكدت على التزام المشاركين بالنضال من أجل العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

التقت، السبت الماضي، مجموعة من الأكاديميّين والنشطاء من مختلف مدن الهند عبر تطبيق زووم بهدف مساندة الأكاديمي الهندي هاني بابو، أستاذ اللسانيات في جامعة دلهي، إذا وافق هذا اليوم عيد ميلاده بينما تمرّ سنة رابعة على احتجازه بسبب نشاطه الفكري والسياسي المناهض لسياسات حكومة ناريندرا مودي اليمينية المتطرفة. جاءت الندوة بعنوان: "أربع سنوات بلا محاكمة، هاني بابو والسؤال حول حرية المعارضة والحرية الأكاديمية في الهند"، وقد بُثّت مباشَرةً على يوتيوب عبر قناة "داليت تشانيل" المتخصّصة في الإضاءة على المضايقات والملاحقات التي تتعرّض لها المكوّنات العرقية والدينية التي لا تنتمي للأغلبية الهندوسية في الهند.

وصادف أن جاءت الندوة، أيضاً، بعد يوم واحد من ذكرى استقلال الهند عن الاستعمار البريطاني قبل سبعة وسبعين عاماً، ليطرح المشاركون في إعلانهم عن الدعوة شعار "في بلد يحتفل اليوم بحرّيته من يمتلك الحرية؟". هاني بابو هو أستاذ في جامعة دلهي وأكاديمي وناشط سياسي بارز، اعتُقل قبل أربع سنوات بعدما اتّهمته السلطات بالتعاون مع حركات يسارية محظورة مثل "الحزب الشيوعي الهندي" (الماوي)، وبرّرت اعتقاله بما يُعرف بـ"قانون الوقاية من الأنشطة غير المشروعة"، وهو بند يسمح للسلطات باعتقال شخصيات يُشتبه أنّ لها توجُّهات قد تقودها إلى القيام بـ"أنشطة غير مشروعة"، حتى ولو لم تثبت عليها تهم محدّدة.

جرى اعتقال بابو ومجموعة من الكتّاب والنشطاء المعارضين للنظام الطبقي في الهندي في 28 تمّوز/ يوليو 2020، على خلفية إلقائهم كلمات في احتفالية أُقيمت في نهاية 2017. وترى السلطات أنّ الكلمات التي ألقاها بابو وزملاؤه تسبّبت في أعمال عنف اندلعت في مدينة بهيما كوريجاو في اليوم التالي، معتبرةً أنّ خطابهم "يؤجّج الصراع بين الطبقات".

ويُعتبر بابو أحد أبرز الأصوات المدافعة عن حقوق العرقيات والطبقات التي تُعتبر حسب النظام الطبقي في الهند منبوذة أو "لا تُمسّ". وقد عمل من خلال منصبه في الجامعة على إتاحة الفرص للعديد من الطلّاب الذين يتحدرون من هذه المجموعات المهمّشة لإكمال دراساتهم العليا، مواجهاً بذلك المؤسّسات الأكاديمية والثقافية التي تقف عائقاً في وجوههم.

شارك في اللقاء كلّ من الكاتب والناشط الحقوقي جوكاراكوندا سايبابا، والباحث في مجال اللغات أودايا كومار، والمحامي نيهالسنج راتود، بالإضافة إلى رئيس محمد مؤسّس قناة "داليت تشانيل"، وإبراهيم بادشاه الذي أدار الجلسة، وإركا رزقا، وغيرهم من تلاميذ هاني بابو.

إبراهيم بادشاه
إبراهيم بادشاه

وتحدّث بادشاه في افتتاحية الجلسة عن الدور الكبير الذي لعبه بابو لمساعدة عشرات الطلّاب، وهو واحد منهم، للحصول على فرص متكافئة لا تخضع للتقسيمات العنصرية التي تكاد تحكم كلّ أشكال الحياة السياسية والثقافية في الهند، مضيفاً أنّ "الحديث عن البروفيسور بابو وكتاباته هو إكمال للطريق الذي بدأه في الوقوف في وجه التفرقة، وهي مسؤوليتنا جميعاً نحن منظّمي هذا اللقاء أن نتحدّث عنه، ليس فقط لأنّه أستاذ متعاون جدّاً، ولكن أيضاً لأنّ له الفضل في حصولنا على فرصة للالتحاق بجامعة دلهي من الأساس. لن ننسى المعارك القانونية التي خاضها من أجل أن يتمكّن طلّاب مثلنا من خلفيات مجتمعية مهمَّشة من الالتحاق بهذه الجامعة".

آمن بضرورة صيانة الحرّية الفكرية داخل الجامعة

من جهته، تحدّث بادشاه وأودايا كومار عن تنامي ما وصفاه بانقلاب داخل النخبة الثقافية في الهند على البيئة المرحِّبة التي عمل هاني بابو وغيره من الأكاديميّين على تثبيتها في الأوساط الفكرية والثقافية في الهند، وهو ما تُنمِّيه التوجّهات الحالية للحكومة الهندية، ما جعل مثل هؤلاء الأساتذة تهديداً في نظر الدولة، وصاروا يصفون أفكارهم الداعية إلى المساواة بالمخرّبة والمزعزعة للبنى الاجتماعية السائدة.

بدورهم، أكَّد الطلّاب المشاركون في اللقاء أنّ أهمّ الأشياء التي تعلّموها من أستاذهم بابو هو أنّ "الإنسان إذا لم تكن لديه الجرأة والإرادة للدفاع عن العدالة الاجتماعية فلا معنى لأن يكون أكاديمياً أو باحثاً"، وكيف أنّهم سمعوا منه هذا الكلام ورأوه على أرض الواقع، حيث أكمل نشاطه رغم كلّ المضايقات التي تعرّض لها من قبَل السلطات.

هذه الجزئية أكّد عليها أودايا كومار حين تحدّث عن كيف ينطلق هاني بابو في دراسته للسانيات من علومها المجرّدة الأساسية إلى تمظهراتها في الفضاء العام والبنية السياسية لبلد مثل الهند المتعدّد ثقافياً ولغوياً، وكيف أنّه لا يفصل بين خصوصية البحث الأكاديمي وانعكاسات نتائجه وتراكماته على الوجود الإنساني نفسه، ولهذه الأسباب آمن بابو بضرورة صيانة الحرّية الفكرية داخل الجامعة والحرص على أن تستوعب الجميع، لفتح المجال لدراسات منصِفة وعادلة تبتعد عن توارث الامتيازات والمناصب.

أتاح فرصاً لطلّاب من طبقات مهمّشة لإكمال دراساتهم العليا

أمّا رئيس محمّد، مؤسّس قناة داليت تشانيل، فتطرّق في كلمته إلى ما مرّ به من تجارب سيّئة مع أساتذة جامعة عنصريّين بسبب انتمائه إلى مجموعة الداليت التي تُعتبر حسب التقسيم الطبقي طبقة منبوذة و"لا تُمس"، وكيف أن تدرُّجه الأكاديمي كاد يتوقَّف بسبب المعاملة السيّئة والعنصرية والفوقية التي تعرّض لها، إلى أن حظي بفرصة العمل مع هاني بابو وزوجته البروفيسورة جيني بروفينا، التي تُدرِّس بدورها في جامعة دلهي.

يُذكر أيضاً أن رئيس محمد، الذي وُلد باسم رافيشاندران باثران، قرّر سنة 2020 أن يتحوّل إلى الإسلام لكي يتخلّص من هذا التوزيع الطبقي، الذي يُصنّف الناس طبقاً لأصولهم العرقية.

وتحدّث طالب آخر هو آسيف أليار عن الصعوبات التي تعرّض لها أثناء دراسته في جامعة دلهي، كونه من عائلة غير متعلّمة، وهو من الجيل الأوّل فيها الذي يلتحق بالجامعة. هذه الخلفية الاجتماعية - بحسب أليار - غير مرحَّب بها في الجامعة "حيث يسود جوّ عامّ يجعلك تشعر بالاغتراب وعدم الانتماء، فكلّ الإجراءات مُعدَّة للأشخاص الذين يعرفون هذه المؤسّسات جيّداً ويحظون بمساعدة الآخرين"، وهو ما لا يحظى به الطلّاب الذين لا ينتمون إلى عائلات أكاديمية مرّت بالتجربة ذاتها.

تبيع "إسرائيل" الهندَ أجهزة تجسّس تستخدمها لقمع الحريات

ويشير أليار إلى أنّ بعض الأساتذة، ومنهم هاني بابو وزوجته جيني، انتبهوا إلى هذا الأمر "وساعدوا الطلّاب على الشعور بأنّ الجامعة بيتٌ لهم، من خلال استماعهم إلى مشكلاتهم والصعوبات التي يتعرّضون لها".

وأكّد الحاضرون على التزامهم بإكمال الطريق الذي بدأه هاني بابو الذي قالوا إنّهم يأملون بأن ينال حرّيته قريباً ويعود لينضمّ إليهم، وأشاروا إلى التغيرات الكثيرة التي تحدُث حول العالم اليوم، لكن "رغم تزايد الاعتداءات والمظالم على مستوى عالمي، إلّا أنّ المقاومة تزداد أيضاً"، معتبرين الحراك الطلّابي في جامعات مختلفة حول العالم لإدانة حرب الإبادة في غزة مثالاً يُحتذى به لرفع الصوت وعدم السكوت على الظلم.

وفي ختام الجلسة، أشار إبراهيم بادشاه إلى ضرورة النظر في مسألة اعتقال هاني بابو على أنّها مسألة مركَّبة وفيها مستويات مختلفة للنظر إليها، وليست مجرّد اعتداء يخصّ إنساناً بعينه، فهي ذات تداعيات محلّية وعالمية، تلفت إلى تشابك القضايا الحقوقية والأخلاقية واتصالها ببعضها، وهنا يضرب مثالاً للعلاقة التي تربط الحكومة الهندية والاحتلال الإسرائيلي، حيث يبيع الأخير أجهزة التجسُّس التي تستخدمها الهند لمراقبة مواطنيها والتجسّس عليهم، وتعطيل نشاطهم الحقوقي والسياسي، وهو - أي الاحتلال الإسرائيلي – من قتل إلى اليوم أكثر من أربعين ألف إنسان، ضمن حملته الإبادية في غزّة التي يتَّخذها المتطرفون الهندوس مثالاً يريدون تطبيقه على الأقلّيات الأُخرى في الهند.

المساهمون