في كتابه "فلسطين: أربعة آلاف عام في التاريخ"، الصادر بالإنكليزية عام 2018، قدّم الأكاديمي والمؤرّخ الفلسطيني البريطاني نور مصالحة (1957) إضاءةً تاريخية شاملة على فلسطين وأصولها وتاريخها وثقافتها وهويتها، متتبّعاً، بالعودة إلى المصادر التاريخية، كيفية تطوُّر الهوية الفلسطينية عبر العصور، ومُثبتاً، بالاستناد إلى الأدلّة الأثرية، أنّ الفلسطينيّين هُم أهل البلاد وجذورهم ضاربة في أعماقها، وأنّ هويتهم الأصيلة وإرثهم التاريخي سبق ولادة الحركة الوطنية الفلسطينية الناشئة في العهد العثماني المتأخّر وظهور الحركة الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية قبل الحرب العالمية الأُولى.
يندرج هذا العمل ضمن اشتغال مصالحة على القضية الفلسطينية في أبعادها المختلفة؛ والذي وضع فيه عدداً كبيراً من المؤلَّفات باللغتين العربية والإنكليزية؛ من بينها: "طرد الفلسطينيّين: مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيَّين: 1882 – 1948" (1992)، و"أرض بلا شعب: إسرائيل، الترحيل والفلسطينيّين" (1997)، و"أرض أكثر وعرب أقلّ: سياسة الترانسفير الإسرائيلية في التطبيق: 1949 – 1996" (1997)، و"إسرائيل الكبرى والفلسطينيون: سياسة التوسّع" (2001)، و"إسرائيل وسياسة النفي: الصهيونية واللاجئون الفلسطينيون" (2003)، و"الكارثة في الذاكرة: فلسطين وإسرائيل واللاجئون الداخليون " (2005)، و"نكبة فلسطين: تاريخ إنهاء الاستعمار" (2012)، و"الكتاب المقدَّس الصهيوني: سابقة توراتية، الاستعمار ومحو الذاكرة" (2013).
كانت فلسطين موقعاً رئيسيّاً للتعليم وإنتاج المعرفة بلغات متعدّدة
وضمن هذا الاشتغال، يأتي كتابه الأخير "فلسطين: أربعة آلاف عام في التربية والتعليم"، الذي صدر بالإنكليزية في آذار/ مارس من العام الماضي، وصدرت نسختُه العربية حديثاً عن "مركز دراسات الوحدة العربية"، بترجمة فكتور سحاب.
يغوص الكتاب في التاريخ الثقافي للفلسطينيّين، مُسلّطاً الضوء على تاريخ العلوم الفلسطينية، مع التركيز على الكتابة والتعليم والإنتاج الأدبي والثورات الفكرية في البلاد؛ حيث "تضعنا العودة إلى أربعة آلاف عام من تاريخ فلسطين أمام كنز معرفي وثقافي، قليلاً ما عرفت حضارات أُخرى مثيلًا له في مخزونه العلمي والتربوي والتعليمي المتراكم عبر مرور حضارات متعدّدة على فلسطين، البلد الذي حافظ على اسمه واسم شعبه الفلسطيني على مدى حقب حضارية مر بها هذا البلد على مدى القرون الماضية"، مثلما نقرأ في المقدّمة.
وهذا التراث الثقافي الطويل يتناوله مصالحة في فصول الكتاب الأحد عشر، ليُثبت أنّ فلسطين هي أكثر من مجرَّد "أرض مقدَّسة" للديانات السماوية الأربع، وليكشف زيف السردية الصهيونية التي تزعم افتقار أرض فلسطين والفلسطينيّين إلى المخزون الثقافي والعلمي والحضاري عبر العصور.
ويُظهِر العمل، أيضاً، أنّ فلسطين موقعٌ عالمي رئيسي للتعليم الكلاسيكي وإنتاج المعرفة بلغات متعدّدة، منها السومرية والكنعانية واليونانية والسريانية والعربية والعبرية واللاتينية، وأنّ هذا التشبُّع الثقافي للبلاد لا يظهر في المساجد والكنائس والمعابد التاريخية فقط، بل يظهر أيضاً في المنح الدراسية والمدارس التاريخية والكلّيات والجامعات والمكتبات العالمية الشهيرة ومراكز الأرشيف، التي اختزنتها بلاد الفلسطينيين عبر أربعة آلاف عام.