استمع إلى الملخص
- "معرض سالونيك الدولي للكتاب" شهد جلسة خاصة لاستعراض الترجمة بمشاركة الجرّاح وكوموتسي والأكاديمي كيرياكوس كينتروتيس، مما أبرز العمق الثقافي والتاريخي للمجموعة وقدم فرصة للجمهور للتعرف على الشعر العربي.
- المجموعة تجمع بين الحكمة والتاريخ العربي والإرث الهلنستي، وتعتبر بمثابة جسر ثقافي يربط بين ثقافات البحر الأبيض المتوسط عبر الزمن، معالجة موضوعات عالمية كالحرب والحب والخيانة.
في خريف العام الماضي، صدرت مجموعة "لا حرب في طروادة" للشاعر السوري نوري الجرّاح مترجَمةً إلى اللغة اليونانية، بتوقيع الكاتبة والمُترجمة اليونانية بيرسا كوموتسي المعروفة بترجمتها أعمالاً للروائي المصري نجيب محفوظ. وكانت تلك ثاني تجربة لها في ترجمة الجرّاح، بعد مجموعته "قارب إلى ليسبوس" التي صدرت ترجمتُها اليونانية عام 2019.
وحديثاً صدرت طبعةٌ جديدة من ترجمة "لا حرب في طروادة"؛ وهي المناسبة التي توقّف عندها "معرض سالونيك الدولي للكتاب"، الذي أُقيمت مؤخّراً فعاليات دورته العشرين في المدينة الواقعة شمالَي اليونان؛ حيث نُظّمت جلسةٌ لتقديم الكتاب، بمشاركة الجرّاح وكوموتسي، إضافةً إلى الأكاديمي اليوناني كيرياكوس كينتروتيس، تلتها قراءاتٌ من الكتاب بالعربية واليونانية، وتوقيع الشاعر للمجموعة في جناح دار "نيكاس".
قريب جدّاً وبعيدٌ جدّاً
في مداخلته، التي حملت عنوان "نوري الجرّاح: شاعرٌ ملحميٌّ بإرث متوسّطي"، اعتبر كينتروتيس أنّ ما تُقدّمه الترجمةُ الصادرة عن دار "نيكاس" ضمن سلسلة "الشعر العربي المُعاصر"، يبدو اقتراباً من عالَم مألوف جدّاً، ولكنّه في الوقت نفسه غير معروف. إنّه عالَم "قريب جدّاً، ومع ذلك بعيدٌ جدّاً"، وفق تعبير كينتروتيس، الذي يُضيف: "يجب على المرء أن يعرف أنَّ هذا العالم هو في المقام الأوّل قصصُ حيوات وعلاقات لها جذور عميقة في الزمن. وهذا هو عالَمُ نوري الجرّاح ومسرحُ شعره".
ويرى أستاذُ النقد في "جامعة مقدونيا الوسطى" في اختيار الجرّاح لتمثيل هذا العالَم "اختياراً ممتازاً"؛ لكون القصائد التي تضمّها المجموعة "لا تحمل تاريخ وحكمة العالَم العربي فحسب، بل تُعتبر سليلة الإرث الهلنستي العريق على ضفاف البحر الأبيض المتوسّط". وهكذا، فإنّ ترجمة المجموعةِ تُتيح التعرُّف إلى "عالمنا المتحدّر من إرثنا الإغريقي، والموصول به، ولكن أيضاً، وعلى نطاق أوسع، بعالم البحر الأبيض المتوسط وما يمور به من تفاعل ثقافي خلّاق".
ويلاحِظ كينتروتيس أنّ في الكتاب قسمان أو مداران: أوّلُهما "يُقدّم سورية بوجوه وموضوعات إغريقية، بديعة ومأساوية معاً، مثل هيلين وإيفيجينيا وهكتور وأوديسيوس وبنلوبي وتلماخوس ووجوه أُخرى، وفي الثاني تتجوّل سورية في المنافي وقد تفاعل التراث الأوروبي واليوناني بتاريخها ودياناتها".
يُقدّم كينتروتيس قراءته الخاصّة في قصائد المجموعةِ التي يرى أنّها تخطّ "عالَماً ملحمياً موازياً لملاحم هوميروس، والإلياذة/ الأوديسة، وقصص الكتاب المقدّس، وقصص من الإسلام والمسيحية"، ليختم قائلاً: "يتراءى لي أنّ الشاعر يحلم بأن يُصبح نحّاتاً، ينحت تمثالاً لعالم جديد من 'كلمات هوميروس الأخيرة'؛ ففي نهاية المطاف، يُصرّ على الاحتفاظ بهذا الحلم في القصيدة كطلسم لاستعادة وطنه الأم، واللقاء بأسرته، على الرغم من أنّه يشعر بالحزن كلّما شحب الحلم أو تلاشى في قسوة الواقع المحيط، في وطنه وفي العالَم".
ابن العالَم
مِن جانبها، قدّمت بيرسا كوموتسي مداخلةً بعنوان "عندما يكون الشاعرُ ابن العالَم" (من مقدّمتها للترجمة)، اعتبرت فيها أنَّ المجموعةَ، الصادرة بالعربية عام 2019، "نوعٌ نادر من الشعر"؛ حيث أنّ "الارتباطات التي يخلقها، في ما يتعلّق بالحروب والعواطف الإنسانية عبر الزمن، نادرةٌ جدّاً، فهي ترنيمةٌ لاثنتين من أهمّ ثقافات البحر الأبيض المتوسّط، واللتين تتفاعلان وتتواصلان حضارياً عبر قرون كثيرة".
وتُشير كوموتسي إلى "رمزيةٍ تحتفظ بهويّتها العربية، إلّا أنّها، في الوقت نفسه، تتناغم مع هويّات أُخرى كاليونانية، ومعها الهوية المتوسّطية أيضاً. هكذا يُصبح القارئ، في مجموعة شعرية واحدة، متلقّياً لثقافة متعدّدة الأوجه والمعاني، الظاهر منها والباطن".
وضمن هذا الإطار، تضيف المتحدّثة، "نُدرك أنّ شعر الجرّاح عالميٌّ، بمعنى أنّه يتعامل مع قضايا عالمية مثل الحرب، والخيانة، وتمجيد الحُبّ، والخوف، والموت، والانحلال وغيرها الكثير، كما أنّه يتطرّق إلى كثير من نقاط الضعف البشرية، التي حكمت سلوك الإنسان على مرّ العصور، وكثيراً ما قادته إلى الدمار وإلى النصر أيضاً".
كلمات هوميروس الأخيرة
نوري الجرّاح
I
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا بَحْرَ وَلَا مَرَاكِبَ وَلَا سَلَالِمَ عَلَى الْأَسْوَارْ،
لَا حِصَانَ خَشَبِيَّاً، وَلَا جُنُودَاً يَخْتَبِئُون فِي خَشَبِ الْحُصَانْ.
سَأَعْتَذِرُ لَكُم يَا أَبْطَالِيَ الصَّرْعَى:
"آخِيلْ" بِكَعْبِهِ الْمُجَنَّحِ؛
"هِكْتُورْ" بِصَدْرِهِ الطُّرْوَادِيِّ الْعَرِيضْ؛
وَأَنْتَ يَا "أَغَامِمْنُونْ" بِلِحْيَتِكَ الْبَيضَاء
وَسَيْفِكَ الْمُسَلَّطِ عَلَى رِقاب الْبًحَّارَةِ الهَارِبِينَمِنَ الْمَعْرَكَةِ.
II
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا دَمَ وَلَا دُمُوعَ،
لَا أَقْوَاسَ نَصْرٍ وَلَا أَطْوَاقَ غَارٍ فِي الرُّؤوسْ.
لَا جُرُوحَ فِي جَثَامِينِ الْرِّجَالِ،
لَا قَتْلَى وَلَا قبور،
لَا آسَ عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَلَا بَاكِيَاتٍ فِي شُرُفَاتِالْبُكَاءْ.
III
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة.
المُرَاهِقُ لَمْ يَقْطِفْ تُفَّاحَةً لِامْرَأَةٍ فِي شُرْفَةٍ،
وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَدِيْنَة زَوْجٌ اسْمُهُ "مِينَلَاوسْ"
"هِيِلنْ"، وَحْدَهَا، كَانَتْ تَتَشَمَّسُ فِي حَدِيقَةِ"هُومِيرُوسْ".
وَلِأَجْلِ وِشَاحِهَا الْقُرْمُزِيِّ وَخَدِّهَا الْأَسِيلِ،
أَسْلَمَ خَيَالَهُ لِلرِّيْحِ،
وَأَصَابِعَهُ لِلْأَوْتَارْ.
IV
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا مَرَاكِبَ عَلَى السَّوَاحِلِ، وَلَا جُنُودَ فِي الْمَرَاكِبْ.
الْقَمَرُ يَلْهُو فِي الْحُقُولِ،
والشَّجَرَةُ تُؤْنِسُ الْحِصَانْ.
لَا حَرْبَ
فِي
طُرْوَادَة
الْمُنْشِدُ أَسْلَمَ قِيْثَارَتَهُ لِلرِّيْحِ،
وَآسْتَرَدَّ أَصَابِعَهُ مِنَ الْأَوْتَارْ.
عُوْدُوا إِلَى بُيُوتِكِمْ،
عَانِقُوا الزَّوْجَاتِ الصَّغِيْرَاتِ، وَقَبِّلُوا الْأَطْفَالَ،
وَتَلَهُّوا بِخَمْرةِ الْعِيدْ.
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة.