مُخيّلات استعمارية كتبت تاريخنا!

16 يناير 2024
"متحف الآثار الإسلامية" في المسجد الأقصى بالقدس المحتلة (Getty)
+ الخط -

التاريخ الوحيد الذي كتبَه العرب لأنفسهم هو تاريخهم من قبل الإسلام بنحو قرن، إلى القرن السابع أو الثامن للهجرة. فالفترة التي سبقت الإسلام لم يكُن عند العرب منها سوى أساطير وتواريخ شفاهية لم يدرسوها دراسةً كافية، ولم يهتمّوا بها اهتماماً، ذلك لأنهم ظنّوا انتفاءَ الحاجة إليها بعد أن أكرمهم الله بالإسلام. ليأتي بعد قرون علماء غربيّون لا يعرفون لغاتِ هذه البلدان ولا يفهمون أساطيرها، فكتبوا ما كتبوا وحلّلوا ما حلّلوا، قسّموا لُغات العالم القديم كما شاؤوا، وصنّفوا "إثنيّاته" كما أملت عليهم تخيّلاتهم السياسية والثقافية.

ولا يُمكن بحال فصلُ هذه التصنيفات والتخيُّلات عن رغبتهم في إنشاء كيان "إسرائيل"، وإقحام اليهود واليهودية في سرديّة المنطقة، ولا عن نظريّاتهم العنصرية حول أصل البشر وتطوّرهم واختلاف لغاتهم وانتشار عناصرهم.
لذا فقد أفتوا بانفصال هذه الشعوب عن بعضها، فاخترعوا آلاف التسميّات، وجعلوا ما كان اسماً لعائلة اسماً لقبيلة، وما كان اسم قبيلة اسماً لأمّة كاملة، وجعلوا اللهجات لغات، والعاداتِ أدياناً.

أمّا التاريخ الحديث، فقد كان العربُ منشغلين عنه بما وقع في أيديهم، أولاً فقدانهم موقعهم في بلدانهم، وفقدان لغتهم صفة الرسمية، ثمّ حين أجبرهم الاستعمار إجباراً على تبنّي روايته ونظرته وخيالاته عن المنطقة بكل، سواء تاريخها قبل الإسلام بقرون وموقعها بين اليونان والفرس والرومان، وتاريخهم الحديث ونشوء الأفكار القومية والوطنية، وظهور النزعات العِلمانية وإعادة تعريف مدارس الفقه والتفسير والحديث.

ما كان اسم قبيلة صار اسماً لأمّة وجعلوا من العاداتِ أدياناً

ولولا أنّ العرب أحسنوا كثيراً في كتابة تاريخهم الإسلامي، ابتداءً بكتُب السيرة ثم الكتب التي تصف العصور التي تلتها، وخصوصاً أن كلّ الفِرق المُتخاصمة من شيعة وسنة، وشعوبيّين وعروبيّين، ومن ملاحدة ومتديّنين، كلّهم بلا استثناء كتَب روايته وأقام حجّته، بحيث يسهل علينا اليوم مقارنة هذه الكتب كلها، ومحاولة بناء رواية متوازنة من كل المتخاصمين فيها...

لولا هذا الكمّ من الكتب، ومن بقاء التقاليد والموروثات في المدارس والجامعات الإسلامية المرموقة، في مصر والعراق والشام؛ لولا كلّ هذا، لوضع الاستعمار يده على تاريخ هذه الحقبة وفسّرها بما شاء، وكان هناك الكثير من محاولات السلب هذه. 

النظر في كتب السامريّين والطوائف المسيحيّة المشرقية المختلفة، وغيرهم ممّن عاش مع المُسلمين، يُثبت خطأ هذه المُخيّلات الاستعمارية التافهة.
 

* كاتب من فلسطين مقيم في ألمانيا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون