ميشيل دُغي.. رحيل آخر المالارميّين الفرنسيين

17 فبراير 2022
ميشيل دُغي، 1999 (لوي مونييه/ Getty)
+ الخط -

إن كان اسمُ ميشيل دُغي مجهولاً أو شبه مجهولٍ عربياً، فإنّ العالَم العربي، أو جزءاً شعريّاً منه على الأقل، لم يكن غريباً على الشاعر الفرنسي الذي رحل عن عالمنا أمس الأربعاء في باريس عن عمرٍ ناهزَ 92 عاماً (1930 ــ 2022).

منذ تسعينيات القرن الماضي، ظهر اسم دُغي في عددٍ من التظاهرات الثقافية الناقدة لديكتاتورية النظام السوري، حيث وقّع مع عددٍ من المثقّفين الفرنسيين والأوروبيين أكثر من عريضة للإفراج عن معتقلِي الرأي في سجون حافظ الأسد، كما وقّع في 1998 مقدّمةً لمجموعة قصائد من أعمال الشاعر السوري، المعتقل حينها، فرج بيرقدار، والتي ترجمها إلى الفرنسية الشاعر المغربي عبد اللطيف اللَّعبي.

كما عُرف دُغي، خلال السنوات الماضية، بتقديمه الدعم للمثقّفين السوريين والعرب الذين اضطرّتهم الأنظمة الاستبدادية في بلادهم للّجوء إلى فرنسا، حيث شارك، إلى جانب زملائه في هيئة تحرير مجلّة "شعر" الباريسية العريقة، في تسهيل ودعم أكثر من فعاليةٍ ثقافية وفّرت منبراً لمثقّفين وكتّاب عرب وسوريين لقول كلمتهم، الشعرية أو السياسية، حول أوضاع بلدهم وماضيه، وحول المنفى أو راهن العالَم.

نشر صاحب "نتوءات" (1975) كتابه الأوّل، "القاتِلات"، عام 1959، والذي أتبعه بنحو ستين عملاً بين مجموعةٍ شعرية ونقد أدبي ومقالة فلسفية؛ وتيرة نشرٍ مكثّفة عرفت تراجُعاً في السنوات القليلة الماضية (آخر كتابٍ نشره يعود إلى 2019) بسبب المرض والتقدّم في السنّ. 

لكنّ مسار الشاعر، الذي يُعَدّ من الأسماء الأساسية في المشهد الشعري الفرنسي المعاصر، لم يُفضِ إلى النسيان، بل إلى الاعتراف، حيث مُنح في العامين الماضيين "جائزة غونكور للشعر" (2020) عن مجمل أعماله، وكذلك "جائزة غي دو بلزاك" التي تمنحها "الأكاديمية الفرنسية" لكاتب يشكّل مساره إضافة إلى لغة فولتير وكشفاً استثنائياً عن ممكناتها الأدبية.

بعكس شاعر فرنسيّ معاصر له مثل إيف بونفوا، لم تقد دراسةُ الفلسفة ميشيل دُغي إلى تشكيل موقفٍ ناقدٍ لها، مقابل الإعلاء من قيمة الخطاب الشعري. فدُغي، الذي درس الفلسفة ودرّسها لسنوات، عُرف بتنقّله، من كتابٍ إلى آخر، بين خِطاب القصيدة وخِطاب العقلانية، آخذاً من الفلسفة للوصول إلى نظرة جديدة للشعر، ومن الشعر لإخراج الفلسفة من مواضيعها المعتادة نحو أسئلة عن العلاقة بين الكتابة والعالَم. وهو، بهذا المعنى، يُعَدّ من آخر الشعراء المالارميّين الكبار (نُسبةً إلى مالارميه) الذين دفعوا اللغة الشعرية، الفرنسية، إلى حوافّها، وجعلوها تُتَأتئ، كما كان للفيلسوف الفرنسي جيل دولوز أن يقول.

إلى جانب الكتابة، ترأّس ميشيل دُغي تحرير مجلّة "شعر" (Po&sie) منذ أن أسّسها عام 1977 وحتى رحيله، كما شارك في تحرير دوريات فكرية وأدبية معروفة مثل "نقد" (Critique) التي أسّسها جورج باتاي، و"الأزمنة الحديثة" (Les temps modernes) التي أسّسها جان بول سارتر، إضافة إلى عمله لنحو خمسة وعشرين عاماً عضواً في لجنة قراءة منشورات "غاليمار".

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون