في محاضرته "الدراسات الإسلاميّة بإندونيسيا من خلال تجربة "الجامعة المحمّديّة""، التي نظّمها "المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون/ بيت الحكمة"، في قرطاج بالقرب من تونس العاصمة، الخميس الماضي، تحدّث الباحث منصف بن عبد الجليل عن إشكاليات البحث في الدراسات الإسلامية بوصفه اختصاصاً يمكن أن يكون متصلاً بالأنثروبولوجيا والتاريخ والدراسات الحضارية والدراسات العربية وعلم الاجتماع، بحسب موقع الباحث من تناول موضوعه.
طرح المحاضِر أربعة تساؤلات، أولها يتعلّق بمفهوم "الجامعة المحمدية" في مدينة مالانغ الإندونيسية لمفهوم الدراسات الإسلامية، وثانيها يتصل ببنيتها ورؤية الجامعة لها وكيف تدرّس فيها، وثالثها حول الصلة التي تربط الجامعة ورؤية الجمعية التي أسّستها كونها صاحبة نشاط وتأثير كبيرين في الشأن العام، ورابعها يتمثّل بحداثة إسلامية تصف الجمعية نفسها بها.
وأعاد عبد الجليل أسباب اهتمامه بهذه التجربة، التي درسها خلال ستّة أشهر، كون "المحمدية" هي إحدى جمعيتين كبريتين في إندونيسيا، وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المنخرطين فهيا يبلع نحو خمسة وأربعين مليون فردٍ، في تنافس مع جمعية "نهضة العلماء" التي يصل أتباعها إلى ضعف هذا العدد، ولأنها تطرح رؤية حداثوية عقلانية اجتهادية في إطار الإسلام، وذات تأثير سياسي واجتماعي واسعين.
تناولت المحاضرة رؤية "الجامعة المحمدية" تجاه حداثة إسلامية عقلانية اجتهادية
كما أشار إلى مفهوم الدراسات الإسلامية بالنسبة إلى "المحمدية" تعني جميع المعارف الشرعية المتصلة بالدين الإسلامي من عقيدة وتفسير وفقه وحديث وأصول، وتاريخ المسلمين وعلومهم وتفكيرهم الفلسفي والأخلاقي، حيث اعتبر أصحاب الرأي في الجمعية أن الدراسات الإسلامية اختصاص علميّ وأنشأوا لها كلية مستقلة، وهي استمرار لتقاليد التربية الدينية التي أعلنتها الجمعية عند تأسيسها على يد عدد من الشخصيات بقيادة محمد درويش.
وبيّن أن درويش تأثّر خلال رحلته إلى الحج بآراء محمد عبده الإصلاحية، وخاصة كتابه "رسالة التوحيد"، وآمن بضرورة تنقية العقيدة الإسلامية من كلّ الشوائب، ودفعه ذلك إلى تأسيس "الجمعية المحمدية" عند عودته إلى إندونيسيا عام 1912، وخمس مدارس أيضاً، سعت إلى مقاومة الاعتقادات الجاوية الإحيائية وما شابهها، ومقاومة حملة التبشير الكاثوليكية التي بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر، ومقاومة التمييز بين الجاويين وغير الجاويين في التعليم بمدارس الاستعمار الهولندي آنذاك، محاولاً خلق فضاء مشترك لجميع فئات المجتمع، وأدخل في مناهج الدراسة العلوم العقلية واللغات الأجنبية، إلى جانب العلوم الشرعية.
ونبّه إلى أن الدراسات الإسلامية في الجامعة تخرج عن كونها اختصاصاً مفرداً لينفتح على أفق تربوي وأخلاقي ومعالجة الشأن الاجتماعي والتأثير في قيمه، من خلال استعمال وسائط مختلفة، مثل المسجد والدعوة والندوات وانخراط النساء في العملية التعليمية، ضمن عشر مبادئ، منها التسامح مع التمسك بالإسلام، والحرص على الالتزام بجميع القوانين وأنظمة البلاد، وتنمية المجتمع بقصد الإصلاح، والتطوير وفق تعاليم الإسلام، ومساعدة الحكومة في الحافظ على الدولة وتطويرها لتحقيق مجتمع عادل ومزدهر، والعدل والنصح بالخير والحكمة.
وتتصل الدراسات الإسلامية في هذا السياق، بحسب عبد الجليل، بمدنية المجتمع من ناحية، وتطبيق الشريعة من ناحية ثانية، ومعالجة فكرة التعدّدية والغيرية من ناحية ثالثة، والنظرة إلى الحداثة العلمانية من ناحية رابعة، والموقف من الأديان الأخرى من ناحية أخيرة، وما تشكّله هذه النقاط من أهمية للنخبة الإندونيسية منذ الاستقلال وحتى اليوم.
وأوضح أن بنية هذه الدراسات تقوم على أربعة برامج لنيل درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، هي قانون الأسرة (الأحوال الشخصية) من خلال تأهيل متخصّصيين في الفقه الأسري يزاوج بين الفقه الشرعي الموصول بالأسرة وبين القانون الأسري المدني، بالاشتراك مع كلية الحقوق، والتربية الإسلامية، وتدرّس فيه السيرة النبوية والتفسير، وتعليم اللغة العربية، واقتصاديات الشريعة الذي يخرّج متخصّصين في المالية الإسلامية بالاشتراك مع كلية الاقتصاد.