"مليون ميل إلّا".. شمسٌ تشرق على السودان وتغيب

26 ديسمبر 2024
من بورتريهات المغيرة عبد الباقي (من المعرض/ العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يضم معرض "مليون ميل.. إلّا" في الدوحة ستة فنانين سودانيين هاجروا بسبب الحرب، ويعرضون أعمالهم في "غاليري المرخية" بمركز كتارا للفنون، بهدف تقديم رؤية متوازنة للسودان بعيدًا عن السرديات المرتبطة بالاحتراب.
- يبرز المعرض التنوع الثقافي والاجتماعي من خلال أعمال فنية متنوعة مثل بورتريهات المغيرة عبد الباقي، والكولاج النسيجي لنفيسة حفيظ، والأعمال التجريدية لأحمد علي سلطان.
- يستكشف الفنانون الهوية السودانية عبر أعمال مثل فيديو آرت هاشم الرشيد، وفن الغرافيك لحسن خالد، ولوحات ريان خليل، مع تعزيز الأمل الجماعي والاعتراف بالتنوع الثقافي.

ستّة فنّانين سودانيّين دفعتهم الحرب إلى مغادرة البلاد. وهنا في الدوحة، حيث مقرّ "غاليري المرخية" في "مركز كتارا للفنون"، قرّروا العودة الافتراضية إلى سودانهم الذي كان أكبر بلد عربي وأفريقي، من خلال معرض ينظر إلى جغرافيا كاملة، تُشرق عليها وتغيب شمسٌ طبيعيةٌ، كأنّها لم تُقسَّم أوّل مرّة ثمّ توالى تقسيم المقسّم... كأن لا مقامرين لعبوا بالدم والمصير.

باقتراح من القيّم الفنّان خالد البيه، صار اسم المعرض "مليون ميل.. إلّا"، وهو مُقام حتى منتصف كانون الثاني/ يناير المُقبل، ويشارك فيه كلٌّ من: المغيرة عبد الباقي، وحسن خالد، وهاشم الرشيد، ونفيسة حفيظ، وريان خليل، وأحمد علي سلطان.

تظهر أنماط عديدة من الاقتراحات الفنّية لأبناء ذاكرة مدنية وريفية، تُمجّد الحياة من دون شعارات مع وضدّ، لا بل من دون أن يَظهر أثر للحرب على المليون ميل الكاملة الحالمة.

يطرح المعرض فكرة تتوازن فيها السرديات السائدة حول السودان

رأينا الفيديو آرت، والتصميم الغرافيكي، والأزياء، والرسم، والتشكيل المعدني، والتركيب، محفوفة بعرض موسيقي مباشر لثلاثة عازفين على الغيتار، والبيس والعود.

كلّ ذلك كان يسعى لطرح فكرة تتوازن فيها السرديات السائدة حول السودان، التي غالباً ما ترتبط بالاحتراب، وبالتالي طرح فرصة نادرة للأمل الجماعي عبر الجهات الأربع في البلاد، بما فيها من اعتراف متبادل بالتنوّع، ومن حُلم واحد بغدٍ أفضل يتّسع للجميع.


السودان المتعدّد

في تجربته، تتجذر ممارسة الفنّان البصري المغيرة عبد الباقي بعمق في التحليل النقدي، حيث يُركّز على موضوعات التنوّع العرقي والتحوّلات الاجتماعية والسياسية التي شكّلت السودان منذ ما بعد الاستعمار.

وبورتريهات عبد الباقي هي مفتاح المعرض عند بدء الجولة فيه، وهي لا تُوثّق شخصيات مهمّة أو ثانوية، بل تدخل إلى السودان المتعدّد من خلال تسريحات الشعر النسائية، فهي إذاً وجوه معروفة على سبيل الألفة لا التعيين.

مليون ميل إلا
من المعرض

وهي إلى ذلك تخصّ حقبة زمنية ما، أو منها ما يخصّ جزءاً من ثقافة محلّية. وبهذا التقط الفنّان هذه الاتجاهات المتطوّرة، وسلّط الضوء على التكوينات والتصميمات المتنوّعة التي تعكس النسيج الثقافي للسودان، عبر سرد بصري للديناميكيات الاجتماعية.


جلّابية البرعي

يعكس عمل الفنّانة نفيسة حفيظ الحضور الصوفي في السودان. وهي حين تُقدّم الجلّابية ذات اللونين الأخضر والأحمر برموزها، وخصوصاً طائر الهدهد، فإنّما لتتوسّط من الأعلى إلى الأسفل أبياتاً شعرية ممّا يُعرف بـ"المدحة"، أي الأمدوحة الواحدة من فنّ المديح، وهي من أشعار الشيخ البرعي (1923 - 2005) والحديث هنا عن أحد كبار الطريقة السمّانية الذي ورث مشيخة طريقة صوفية أسّسها محمد بن عبد الكريم السمَان (1716 - 1773)، وكانت المدحة تُصوّر رحلته إلى بيت الله الحرام.

أزياء صوفية نفيسة حفيظ
زيٌّ صوفي لنفيسة حفيظ (من المعرض)

إنّنا أمام طقس صوفي يستوحي المشاهد الروحية، وهو في مجموعه عملٌ تركيبي بين فنّ الكولاج النسيجي والعناصر الثقافية والتقليدية، مع دمج اللمسات التي تعكس الروح الصوفية بطريقة متجدّدة على يد نفيسة حافظ التي حازت لقب "مصمّمة أفريقيا" لعام 2020، وهي في عملها هذا تُقدّم نفسها فنّانةً بصرية وسردية ذات رؤية، وتترجم بمهارة المفاهيم العميقة إلى أزياء ومنسوجات.


زخارف احتفالية

ذهب الفنّان أحمد علي سلطان إلى التفاعل التجريدي مع المواد وتأكيد الرمزية المتأصّلة في الأدوات والزخارف الاحتفالية، وبخاصّة تلك المرتبطة بمراسم الزواج السودانية، والمعاني الأعمق لهذه الطقوس.

كثير من مواد الحديد التي يشتغل بها مشغولة أصلاً، وهذا ما يغرم به سلطان حين يعمل على توليد المعنى من إعادة التدوير أو إزاحة الاستعمال من الوظيفي إلى الفني.

أعمالٌ مختلفة يجمعها حُلم واحد بغدٍ أفضل يتّسع للجميع

لدينا في الأعمال المعلقة والمؤطّرة على الجدار أدوات معدنية من مفاتيح وصواميل ومبارد وأرياش مثاقب تتحوّل كلّها إلى زخارف معبّرة عن التراث الثقافي، بأشكاله الملموسة وغير المادية.


نوستالجيا

هاشم الرشيد، المعروف بـ "هاشيراما" مُخرج سوداني، ومصوّر فيديو وفنّان بصري، يحتفي في عمله الفيديو آرت بتعقيدات الأفكار والتجارب الإنسانية.

لحظات مخلّدة في أذهان الناس، وعندما دمّرتها الحرب حفظتها الإنترنت، واسترجعها هو بما فيها من طاقة نوستالجيا تنهل من الحياة في عاصمة بلاده وفي ضواحيها.


حيث يلتقي النيلان

أمّا حسن خالد، فطرح عبر فن الغرافيك، الخرطوم بوصفها قلب السودان، حيث يلتقي النيلان الأزرق والأبيض ويخلقان منطقة حيوية تمزج بين التقاليد والتنوع، وتجسد الخرطوم الرابط بين ماضي السودان وهويته الحديثة المتجددة.

وُلد مشروعه من استكشاف عميق لما تُمثّله الخرطوم التي تُضاف عنده معالمها التاريخية وتنوّعها الثقافي إلى مجال للتأمّل، ولإيجاد السكينة على ضفاف النيل، أو للانغماس في نسيجها الاجتماعي الحي.


كما هي في الذاكرة والحلم

بوصفها فنّانة ذات مرجعية معمارية وتصميم داخلي، تستكشف ريان خليل في لوحاتها المرسومة بالأكريليك والألوان المائية الهوية والتراث الثقافي والقصص المجتمعية من الحياة السودانية النابضة في البيوت، بما هي أماكن وأنفاس.

ريان خليل
ريان خليل

جميع المفردات المكوّنة للصورة حيّةٌ في لوحات الفنّانة ونموذج على دافعية داخلية عند كلّ المشاركين، ظهر جلياً في هذا اللقاء الذي يمكن عدّه لقاء مغتربين، لا لاجئين، يحملون صورة أرض وناس سيعودون إليها وإليهم كما هي في الذاكرة والحلم.

المساهمون