استمع إلى الملخص
- أبرز الأوراق البحثية: تناولت مواضيع مثل "الخطاب السردي الراهن في عُمان" لعزيزة الطائي، و"ثنائية السرد الحميم" لطاهر الزهراني، و"الحكاية الشعبية في الخليج العربي" لعبد القادر عقيل.
- السرد الرقمي والمستقبل: قدم محمود مهدي محاضرة حول "أشكال السرد في المحتوى الرقمي وتحدي الاقتباس"، مشيراً إلى أهمية السرد في المحتوى الرقمي وتطوره.
على مدار ثلاث ساعات كانت ثماني أوراق حصيلة اليوم الافتتاحي من "ملتقى السرد الخليجي" الخامس الذي افتتحته وزارة الثقافة القطرية مساء أمس الأحد، وعلى مدار يومين، يجول فيهما المتحدّثون في حقول السرد المختلفة ويكون الختام بندوة نقاشية. وقد تأجّلت النقاشات جميعها بسبب ازدحام الوقت واكتُفي بعرض أوراق سبع ومحاضرة في السرد الرقمي، هذا إلى جانب أنّ كلّ مشاركة كانت حقلاً خاصاً في بيئة أو وجهة فنّية خاصتين، والناظم بينها خيط هو السرد.
بدأت الأوراق بـ"الخطاب السردي الراهن في عُمان"، وفيها تناولت الكاتبة والناقدة العمانية عزيزة الطائي هذا المنجز في الفترة الممتدّة بين عامَي 2000 و2024. وبالنسبة لها، فإن القصة القصيرة عرفت تطوّراً ملحوظاً كمّاً وكيفاً، واهتماماً من النقّاد في السلطنة، ومن ذلك القصة القصيرة جداً بوصفها ظاهرة سردية، مشكّلة منعطفاً ملحوظاً متناغماً مع خصائص وقضايا المراحل الحديثة للدولة العصرية.
أما الرواية فقد سجّلت الورقة أنها أنتجت ضمن ثلاث مراحل، آخرها خلال العقد الماضي، مع تركيز الروايات في موضوعاتها على التحوّلات والتغيّرات التي طرأت على المجتمع العُماني، فاتحة نافذة من أساليب التجريب، على خلاف مرحلة البداية بين عامي 1965 و1987، إذ اهتمّت الروايات بالجانب التاريخي، وفي المرحلة الوسطى بين عامَي 1989 و1999 عالجت الواقع الاجتماعي. ومما طرحته الطائي الكتابة المتخيّلة التي تجمع بين الذاتي والمتخيّل في آن، وله شكلان هما: الرواية السير ذاتية، والتخييل الذاتي.
وفي خلاصتها للكتابات الذاتية التي اطّلعت عليها في الأدب العُماني ورغم تنوعها إلا أنها لم تُفض إلى الوقوف على سيرة ذاتية متكاملة بالمفهوم المعاصر، وإنما هي رغم تنوعها ضروب من الإحساس بالذات والتعبير عنها لمرحلة معيّنة، أو تجربة محدّدة عاشها الكاتب.
القرية والمدينة
وتحت عنوان "القرية والمدينة.. ثنائية السرد الحميم" للروائي السعودي طاهر الزهراني، قال فيها إن الحديث عن فنّ الرواية وعناصرها مهما تشعّب يبقى المكان أحد أهمّ وأعظم عناصره، حتى أنّنا في بعض الأوقات نجعل المكان بطلاً فنقول إن هذه الرواية هي رواية "مكان" فكيف إذا كانت الرواية تمتدّ من مكان إلى مكان ومن جهة إلى جهة، لكن يبقى السارد الكبير من بإمكانه أن يحدث حياة ممتدّة في مكان صغير، كما فعل ماركيز في "ماكندو".
وفي محاورته لمقولة جورج لوكاش "الرواية ابنة المدينة"، قال إن الرواية بشكلها التقليدي منشأها المدينة وهو طور آخر من أطوار السرد، فالقرية لم تعرف الرواية لكنها عرفت الحكاية، فانتقل هذا الفعل الشفاهي إلى فعل آخر يُمارسه الإنسان الذي مدَّته المدينة بالرفاهية فجعلته يجلس ويكتب.
الحكاية الشعبية
الحقل السردي الآخر الذي تأسّس على الشفاهة خاض فيه أحد أبرز المشتغلين في التراث الشعبي الخليجي، وهو الباحث والمترجم البحريني عبد القادر عقيل، في ورقته "الحكاية الشعبية في الخليج العربي".
وطرحت الورقة جردة زمنية لسعي دول الخليج منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي الى اتخاذ خطوة مهمّة لجمع وتدوين وتحقيق كلّ ما له علاقة بالتراث الشعبي في دول الخليج العربية، ومن ذلك تأسيس "مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية" عام 1982، والذي أصدر مجلّة "المأثورات الشعبية" في عام 1986، وصدر منها ثمانية وتسعون عدداً قبل أن تتوقّف، عدا عن الإصدارات المتنوعة عن التراث الشعبي الخليجي التي تجاوزت مئتي عنوان، ثم تواصُل هذه الجهود في تجارب منفردة لكلّ دولة.
تحوّلات وتغيّرات مجتمع وتراث الخليج من خلال الأدب
ورأى عقيل أنّ جمع الحكايات الشعبية ما هو إلّا مرحلة أُولى ضرورية لمشروع عِلمي ضخم يتجاوز الجمع إلى التحليل والشرح والنقد، مع ضرورة أن تكون النصوص الأصلية محفوظة ومتاحة للباحثين وذلك لتتبُّع تطوّر واختلاف اللهجات والقصص من زمان لآخر. كما يقع على الباحث أن يتعامل مع النص كما جاءه، أما الحكاية التي تُقرأ للطفل قبل نومه، فيحسن أن تحتوي ما لا يشوّش تربيته كالنظرة الدونية للمرأة أو الآخر بسبب لونه أو ديانته، وفق ما ختم به عقيل.
غرضية الميثولوجيا
وذهبت مشاركة الباحث القطري فهد أحمد الكواري بعنوان "تساؤلات في غرضية الميثولوجيا ومكانة السرد القصصي" إلى أنّ القصة ليست مجرّد وسيلة للترفيه أو التوثيق، بل إنها أداة اخترعها الإنسان، ولا بدّ أن تخدم غرضاً معيّناً.
وأضاف أنه في سياق صندوق الأدوات السردية فإن القصة هي الاختراع الأقدم مقارنة ببقية الأدوات التي نستخدمها اليوم، وبغضِّ النظر عن تغيّر المكان والزمان، تعيش القصة وتزدهر، حيث تبدو ذات طبيعة أزلية.
فالرسم، كما يوضح، جرى توظيفه لرواية قصص سكّان الكهوف ومغامراتهم في اصطياد الحيوانات البرّية، واللغة استخدمت في المجتمعات المدنية منذ البدء لكتابة قصص الملوك والآلهة ومعاركهم الملحمية، مروراً إلى اختراع الكاميرا، التي تصور قصص الخيال والفنتازيا، وصولاً إلى وجود القصة في قلب حوارات تطوير الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي.
بين القصة والمسرح
وقال القاص والكاتب المسرحي الأردني مفلح العدوان في ورقته "تجلّيات السرد بين القصة والمسرح الروائي"، إن القصة حكي، والمسرح حوار، وهناك حبل سرّي يتناغم بينهما، ويُوائم بين السرد والدراما. وبين الكتابة القصصية والكتابة المسرحية، هناك دهشة السرد التي يجسّدها المؤلّف وفق ميزان حسّاس يُوازن فيها بين الحكي والحوار.
وعرض العدوان إلى أول تجربة له في مَسرَحَة القصة، مع مجموعته القصصية الأُولى "الرحى"، وبالتحديد عندما أعاد قراءة القصة من تلك المجموعة، والتي تحمل عنوان "ميشع لا يسجد للحبشة"، حيث تنامى إليه إحساس بتلك الشكوى من شخوصها، الذين يريدون أن يتزحزحوا من على مساحة البياض ويتخلّصوا من سجن الأسطر، والكلمات المرصوفة على الورق، ليقولوا كلاماً آخر.
نماذج قصصية
ومن الأردن أيضاً حضرت الكاتبة هيا صالح لتتحدّث عن ثلاثة نماذج من كتاب القصة الشباب في ورقتها "القصة الجديدة في الأردن نماذج مبشّرة". ودارت الورقة حول ثلاثة كتّاب بحسب ما أدرجتهم في العناوين الفرعية التالية: "عامر ملكاوي وجماليات السرد الريفي"، و"سوار الصبيحي وتحويل العادي إلى المدهش"، و"هشام مقدادي وتحوّل الإنسان إلى حالة".
وقالت هيا صالح إن نصوص هذه المجموعات وهي الأولى لأصحابها، وجاءت ضمن مناخات متنوعة، غير أنها جميعاً تدور في فلك الحداثة، وتتناول قضايا تقارب هواجس الذات وتمسّ الجوهر الإنساني العميق، وتنحو على صعيد الشكل باتجاه بنية تجريبية جريئة، من حيث تنوّع الشخصيات، وتعدُّد مستويات اللغة، والتلاعُب بالزمن عبر الاستباقات والاسترجاعات، والاستفادة من تقنيات الفنون الأُخرى كالمسرح والفنّ التشكيلي والإيقاع الموسيقي والتقطيع السينمائي للمشاهد.
والقصة القصيرة في الساحة الأردنية، كما أفادت، في العموم واكبت التطوّرات التي شهدتها المجتمعات الإنسانية وتفاعلت معها، سواء لجهة طَرْحها للمضامين التي تُحاكي هذه التطوّرات أو لجهة البنية الفنّية التي أخذت بالانزياح عن الشكل الكلاسيكي.
السارد الشامل
إذا كان السارد يتأسس باعتباره شخصية تخييلية تأخذ على كاهلها سرد الحوادث وتنظيمها وسبر أغوار نفسيات الشخوص والتعبير عن أحاسيسها وأفكارها، فإنّه بذلك يعتبر أساس كلّ عملية بناء سردي. هذه إحدى المناطق التي عاينتها ورقة "السرد الشامل وتمثلات الموت والفجيعة" للكاتب المغربي محمد المعزوز. والسارد كما يصفه يعيش في كل الأزمنة، يحيط بالخوافي وأسرار كل ما حدث وما سيحدث، هذا ما دفع الألماني ولفغانغ كايزر إلى أن يمنحه منزلة أسطورية، تتماثل رؤيته مع رؤية الآلهة كما اعتقدتها الأساطير القديمة.
وفي صلب موضوع الورقة المتمثّل في الموت والفجائعية السردية، رأى أن التحديق المتبصّر في مختلف الأنواع السردية، ابتداءً من "السرديات الساذجة" إلى "السرديات الكلاسيكية والمعاصرة"، تبيّن أنّ مسؤولية السارد تحكمها أبداً جاذبية أنطولوجية بطرفين متقابلين: الموت والحياة. وإن السارد الشامل الفجائعي، كما يواصل، ينتقل إلى الحكي من ضرب تعبيري إلى آخر بحثاً عن رصد المشترك الإنساني المتمثل في القلق والخوف من الموت، وهو مشترك تاريخي رافق الإنسان منذ خلقه الأول، وفق ما قال.
المحتوى الرقمي
وتخللت هذه الجلسات محاضرة لصانع المحتوى والناقد السينمائي المصري محمود مهدي بعنوان "أشكال السرد في المحتوى الرقمي وتحدي الاقتباس". وجال مهدي مستخدماً شرائح العرض على الشاشة في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أحد مشاهير صُنّاع المحتوى منذ سنوات. وقد تشكّلت لديه خلاصة عرضها لجمهور الملتقى تفيد بأن السرد هو الفن الذي يضمن فعالية المحتوى الرقمي، سواء أكان قصيراً أم متوسطاً أم طويلاً.
وقد عاين من خلال تجربته الشخصية وقراءته تجارب الآخرين كيف بدت منصات مثل "يوتيوب" لدى دخولها العالم العربي مختبراً لصُنّاع المحتوى في طرق أشكال سردية متنوعة، نجح بعضها ولم يحالف الحظّ بعضها الآخر. غير أنّ المُلاحَظ عنده أن هذه السرديات الرقمية وقد كانت في البداية تستلهم النماذج الأجنبية أصبحت في ما بعد تؤسّس هويّتها الخاصة. وعرَض المُحاضِر جُملة من مواصفات هذا المحتوى المتمثّل في عرض التجارب الشخصية أو إعادة القص والكوميديا، واستخلاص الدروس، وموهبة الراوي.
وفي ختام محاضرته رأى أنّ كلّ هذه المواصفات يمكن لها في المستقبل أن تطور أدوات السرد باحترافية أكثر، بوصف السرد فناً يمكن تعلمه كما يمكن أن يستفيد من حقله المتوافر في الرواية والقصة والمسرح المكتوبة وفتح الطريق لها للعبور إلى المجال الرقمي.