يشير أستاذ الفلسفة العربية الإسلامية والباحث التونسي مقداد عرفة منسية في تقديم كتاب "ابن رشد: فيلسوف الشرق والغرب في الذكرى المئوية الثامنة لوفاته" (1999)، الذي أعدّه وتضمّن دراسات لعدد من الباحثين، إلى أن فلسفة أرسطو أخدت بلبّ ابن رشد فانبرى يشرحها ويناقشها ويقرّبها للناس، ويبغي سبل التوفيق بينها وبين الشريعة.
ويوضّح أن الفيسلوف الأندلسي فرّق بين العقيدة والفقه، أي بين ما نزل به الوحي، وما هو من اجتهاد البشر، وبذلك قد فتح ثغرة في البناء الذي رفعه فقهاء محترفون سخّروا معارفهم لخدمة حكّام لم يترددوا في تسليط القمع على كل مجتهد حر، وذلك بعض ما يفسر المحنة التي تعرض لها.
يقدّم منسية عند الحادية عشرة من صباح بعد غدٍ الأربعاء محاضرة في"المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون/ بيت الحكمة"، في قرطاج بالقرب من تونس العاصمة، تحت عنوان "فلاسفة الإسلام وعلم أصول الفقه.. ابن رشد أنموذجاً".
يُلمَس لدى فلاسفة الإسلام تفاعلٌ بين الفلسفة العقليّة بآلتها المنطقيّة، والدين بعلومه الشرعيّة وطرق استدلالها
يلفت بيان المنظّمين إلى أنه يُلمَس لدى فلاسفة الإسلام تفاعلٌ بين علوم الفلسفة العقليّة بآلتها المنطقيّة، والدين بعلومه الشرعيّة وطرق استدلالها، ومن أبرز هذه العلوم علم أصول الفقه، الذي جلب اهتمامهم بصفة خاصّة، ولعلّ ذلك كان بحكم طابعه التجريدي والعام من حيث موضوعه الذي يبحث في أصول الأحكام ويضبط قواعد استنباطها.
ويبيّن أن هذا التفاعل حدث في مرحلة نضجَ فيها هذا العلم، عندما نظّر أصحابه للأصول التي يستمدّ منها التشريع، وحدّدوا القواعد المتّبعة فيه، ثمّ نضج وتطوّر إلى أن بلغ درجة النسقيّة، حيث يُلاحَظ هذا الاهتمام لدى الفارابي بصفة خفيّة في استعماله لكتاب "الرسالة" للشافعي، ولدى ابن رشد بصفة جليّة في تلخيصه لـ"المستصفى" للغزالي، كلّ على طريقته.
يقف منسية في محاضرته عند ابن رشد في علاقته بعلم أصول الفقه وعلى وجه الخصوص بالمذهب الظاهري داخله، ولن يتناول هذا المذهب في جانبه النظري، أيّ الذي موضوعُه العقائد، وإنّما في جانبه العملي، أي الذي موضوعه الفقه وأصوله، على حدّ ما يعْرضه ابن رشد في كتابه "الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى".
كما يقدّم المحاضِر ملاحظات تخصّ محاكمة فيلسوف قرطبة وقاضيها بين الظاهريّة وخصومهم، في ما يتعلّق بصحّة القياس ومدى وجوب اعتماده في استنباط الأحكام الشرعيّة.