مهام أوّل النهار
تصحو النحلة تركب درّاجتها وتعب الرحيق
تصحو النملة تغسل وجهها وتجرّ حبّة سكّر
تصحو العصافير تنفض أجنحتها تعزف موسيقى الصباح
يصحو الجمل متحاملاً على قسوة الهجر يسترجع أمجاده المتلاشية بنشوة لا تخبو في الذاكرة وإن خبت على أرض الواقع
يصحو الحصان يصهل ويمقت تحوُّل الفروسية لحلبة رهان
يصحو جبابرة التاريخ بمزاج يعتمد على الطقس وينتقون رؤوساً قابلة للقطف
تصحو الغزالة تتفرّس في مرآتها وتزيّن الصحاري والغابات بجمالها وذعرها من القنّاصة
تصحو قطرة الندى تترقرق وتفدي الضوء بعمرها الخاطف
تصحو الجراح تتأوّه وتقاوم الالتئام
يصحو الموظّف يتململ ويرسل نصفه للدوام
ونصفه الآخر خامل يسمع شخيره المارّة
يصحو الحقل يتمطّى ويحصد سنابل كانت تظنّه وطنها
يصحو العمّال يفرشون أسنانهم بمعجون الصبر ويبحثون عن لقمة حلال
تصحو الحلكة يمضها الظلام وتلتمس لحظة الغلس
تصحو بلاد مستوحشة تضنيها الوحدة بعد عذابات الحمل ومخاضات الولادة تنتظر عودة الغائبين
تصحو الأمّهات
توقِف الحروب
تُطهّر الجراح
تخبز الأرغفة
تُعمّم السلام
وتُجري
الحبر
والحب
والدماء الحرّة
في عروق الحياة
لعلّ وعسى
تباشير البداية
أو
نهاية مشرفة
■ ■ ■
مهام لآخر العمر
عدتُ للتوّ من فرح فاره
انتظرته بتوق
مراهق نزق
للقبلة الثانية
كنتُ مزهوّة
ببريق النجاح على جبين
نجاحي وأجنحتي
بعد أن أشفقتُ عليه لعامين
من هالات السهر
وإرهاق العمل والدرس معاً
كان كلُّ ما حولي بعد وداعه بالدعاء
يبدو وديعاً ومسكوناً بالدعة
لم يكن ما يوحي بأنّ شيئاً غريباً
يتسلّل بالسرّ إلى صدري
وماهي إلّا لحظات حتى وجدتُني
جسداً محموماً انقطع عنه الإرسال
ملقىً خارج مواقع
التواصل مع هذا العالم
من ألقى بي إلى حقل قاحل
وجرّدني في لمح بصر
من أوسمة قوّتي
أيام لم يكن عندي جهدٌ لعدّها
وأنا في سبات بين النوم والمنيّة
ليس ثمّة متنفّس من إقامتي الجبرية
إلّا كُتب تغيظني بقربها
ولا أستطيع قراءتها
ونافذة تنظر لي باستعطاف
ولا يمكنني فتحها
الحمّى تلعب معي بوحشية
تعينها تقرّحات الحنجرة
وتخونني معها أنفاسي شخصياً
كم من الوقت أحتاج لأصرف كورونا
بعزلتها الجارحة وآلامها المبرّحة عن
استعادة مجدها الغارب على جثّتي
كم من الصبر لأقنعها بكفّ عصفها
عمّا تبقّى من أغصان الشعر
في شجرة عمري
كانت عنيدة متمرّسة
وكان بودّي لو أستطيع ادّعاء
بأنّني كنتُ أعند
صرخات الإسعاف الدائمة
بنيويورك تخلع في هذيان
الحمّى قلبي
هل تتّجه لبيتي
لتحملني بعيداً عنّي
هل تولول نجدة لامرأة عزلاء
أُصيبت بطلقة
من مسدّس مصرّح
أيّ منّا المرأة والمرأة الأُخرى
تغلي إبادة غزّة في رأسي
تمدّ هبة أبو ندى
يد قصيدتها الأخيرة
من النعش
وتمسح رأسي
أقبّل يد الملاك
وأترك الحمّى
تسترسل
في التنكيل بي
أتساقط بين
أنقاضي
هامدةً
لا ينبض
من هامتي لمشط قدمي
إلّا أخيلتي
كأنّي أبو الطيب
شَديدُ السُّكرِ
مِـن غَيـرِ المُـدامِ
أحلّق في غمام معتم
من الحمّى
وأصطدم فجأة
بصقيع السرير
ساعات دالي تتدلّى
من لوحة جدار أمامي
بشهوة المشانق للأعناق
يمضي الوقتُ
يمضي ممضاً بطيئاً
تسحق عجلاته الثقيلة مفاصلي
وتتقطق تحت وطأته سلسلة ظهري
ومرّة أُخرى يسعفني المتنبّي
من إجهادي الوجداني
أُراقِبُ وَقتَها مِن غَيرِ شَوقٍ
مُراقَبَةَ المَشوقِ المُستَهامِ
الشعر والتشكيل يرأف بحمّتي
فيما فرّ الجميع من أنفاسي
الملطّخة بشكوك RSV
البعيد وأقرب قريب
كان عليه الامتناع عن مخالطتي
كمريمية كان عليّ وحدي تدبُّر أمري
لم يكن سرياً تحتي
ولا جذع نخلة إلّا متخيّل
بعيد بعيد عنّي
لم يكن غير حساء
لا يُستساغ
وحبوب
أحثوها في فوهة
جوفي
ثانية
دقيقة
ساعة
يوم
أسبوع
شهر
سنة
دهر
تتمرّد اللحظات العصيبة على مقياس الوقت
تبدو أقصر من نصل وأطول من أمل
لم أقدّر انحسار العارض الضاري عنّي
إلّا حين استطعتُ
التقاط هديل الأطفال
من غرفة المعيشة
مردّداً في صباح باكر
سورة الحمد
لم نكن نعود للحياةً
حين تتقطّع بنا السبل
لولا الطمع في رشفة أُخرىً
من رضاب الحب.
* شاعرة وكاتبة وأكاديمية من السعودية