تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "على المترجم أن يحافظ على استقلاليته الفكرية ويدافع عنها، وأن يترجم ما يُرضي ذائقته وليس ما يرضي السوق"، تقول المترجمة المغربية لـ "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- لا أذكر نقطة بداية محدَّدة. لكنّ حكايتي مع الترجمة بدأت بشكل واضح عندما انتبهتُ إلى ضرورة ترجمة الأدب العربي ليصل إلى القارئ الإيطالي الذي لا يعرف عنه سوى القليل. بدأتُ بترجمة بعض القصائد العربية إلى الإيطالية ونشرها في مجلّات أكاديمية أو إلكترونية، ثم صرتُ أُترجم مجموعات كاملة لشاعرات وشعراء عرب. أرى أنّ الحضارات المتوسّطية يجمعها تاريخٌ مشترك وأنّها تتقاسم بعض الهموم، لذلك تصبح الوساطة اللغوية والثقافية ضرورةً ملحّة لفتح الآفاق، وللتعرّف على الآخر في أجمل جوانبه الإنسانية والإبداعية والفنية.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجمين الآن؟
- آخر مجموعة شعرية ترجمتُها هي مجموعة "على انفراد وقصائد أُخرى" للشاعر المغربي حسن نجمي، والتي صدرَت العام الماضي عن "دار أستارتي" الإيطالية. أُترجم الآن مختارات للشاعرة الليبية سميرة البوزيدي، وسيصدر الكتاب قريباً عن دار نشر إيطالية، كما أنّني أشترك مع بعض الزملاء في مشروع ترجمة أنطولوجيا تضمّ مجموعة شعراء من المتوسّط.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- ربما لا أعرف العقبات التي يواجهها المترجم العربي الذي يعيش في دولة عربية، لأنّ تجربتي نشأت خارج العالم العربي. لكنّي أظنّ أنّ هناك بعض العقبات المشتركة مثل قلّة الاعتراف بدور المترجم وحقوقه المعنوية والمادية، وتقييد حريته في الاختيار؛ إذ إنّ دور النشر والمؤسّسات غالباً ما تبحث عن أعمال تضمن لها معايير معيّنة تتناسب مع متطلّبات السوق والمبيعات أو تسير مع التيار السياسي أو التاريخي لفترة معيّنة، فيصبح هناك نشرٌ حسب موضة الحدث وليس لأهمية الأعمال أو جماليتها. وهنا، على المترجم أن يحافظ على استقلاليته الفكرية ويدافع عنها، وأن يترجم ما يُرضي ذائقته وليس ما يرضي السوق. على المترجم أن يحب النصّ ويؤمن به وينسجم معه قبل ترجمته، لأنّ الترجمة ليست عملية آلية.
من الضروري أن تحب النصّ وتؤمن به وتنسجم معه قبل ترجمته
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- طبعاً. بعد الانتهاء من ترجماتي أعرضها على أصدقاء شعراء أثق بذائقتهم وبرأيهم، وعلى زملاء يعرفون اللغة العربية، قبل الحصول على النص النهائي، وتسعدني اقتراحاتهم أو تعديلاتهم. أحياناً يُضفي المترجم على العمل الأصلي بعضاً من ذاته، وهذا يحصل من دون شعور أو وعي منه، لذلك فكلُّ ترجمة تحتاج إلى عين أُخرى تعيد قراءة ومراجعة العمل بنقد وصرامة ومسافة موضوعية. دَور المحرّر مهمّ جدّاً ويشير إلى مدى مهنية الناشر الذي يلتزم بالدقّة والصرامة والأمانة قبل نشر أي عمل مترجم.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- أتعامل مع دُور نشر إيطالية غالباً، وأختار الأعمال بنفسي وأقترحها على الناشر الذي يرحّب بها في معظم الأحيان. علاقتي مع الناشر جيّدة ومبنية على الثقة المتبادلة وعلى احترام العناوين والأسماء التي أقدّمها.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- عندما أختار ترجمة مادة ما، فأنا لا أقف أبداً عند أبعادها السياسية أو حمولاتها الأيديولوجية. ولكن ما يعنيني في الدرجة الأولى هو جمالية النص. أترك الانتماءات السياسية خارجاً وأتعامل مع القصائد مباشَرةً، وأحاول تجريدها من كلّ الاعتبارات التي تبتعد عن المعايير الفنّية والجمالية، ولكنّ هذا لا يعني أنّ أفكار الشاعر لا تصل إلى القارئ.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
- بما أنّني أترجم أعمالاً لشعراء وكتّاب معاصرين، فعلاقتي بهم تكون أوّلاً علاقة تواصل دائم وحوار مستمرّ كي تتحوّل إلى علاقة صداقة وانسجام. عندما أقرأ المادة، أُحاول التوغُّل فيها وفهم أعماقها بحرية واستقلالية. لكنّي، في مراحل أُخرى من عملية الترجمة، أحتاج إلى الكاتب كي أستفسر عن بعض النقاط. أحبّ أن يشاركني الكاتب بعض اختياراتي اللغوية والتفاصيل الشكلية أيضاً؛ مثل شكل الكتاب النهائي والغلاف وغيره. أعتبر عملي النهائي عملاً مشتركاً على الكاتب أن يعيش معي كلّ لحظاته وهمومه ومراحله دون تغييبه أو تجاهل رأيه.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- أظنُّ أنّ الترجمة في أساسها إعادة كتابة للنص الأصلي مهما حاولت الالتصاق به ونقله بأمانة ونزاهة، وخيرُ دليل على ذلك أنَّ نفس العمل إذا جرى عرضُه على مترجمَين اثنين، فالنتيجة النهائية ستكون عملين مختلفين مطابقَين للأصل، فكلُّ مترجم يضفي على العمل الأصلي أسلوبه الشخصي ويترك فيه بصمته المميّزة.
أودّ أن أجد الوقت والعزلة الكافيين لكي أتفرّغ أكثر للترجمة
■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- بصراحة لا أهتم بموضوع الجوائز ولا أبحث عنها ولا أفكّر فيها؛ لأنَّ الترجمة، في حالتي، شغفٌ وليست حرفة. لكنّي أظنّ أنّ المترجم يحتاج إلى دعم معنوي وتحفيزات، وإلى تقدير جهده الذي يبقى خلف الكواليس.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسَّساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- للأسف، تبقى الترجمةُ جهداً فردياً في غالب الأحيان. ورغم وجود بعض المؤسسّات المعنية بمشاريع الترجمة، إلّا أنّ أرقام الأعمال المترجَمة في العالم العربي تبقى قليلة جدّاً إذا قورنت بدول غربية مثلاً. لذلك، في رأيي، على العمل المؤسّساتي الارتقاء بالمواد المترجمة نحو معدّلات مقبولة، ووضع إستراتيجيات وخطط طويلة المدى، ومواكبة الثورة العلمية والتركيز على موضوعات جديدة.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- المبدأ الأول الذي أسير عليه هو الأمانة الأخلاقية؛ لأنّ الترجمة مسؤولية كبيرة على عاتق كلّ مترجم. والمبدأ الثاني هو الحفاظ على جمالية النص وعدم التقيّد بالترجمة الحرفية التي تُفقد النص الأصلي روحه وسلاسته. أحاول أن أجد توازناً بين القاعدتين كي أخرج بنتيجة ترضيني.
بالنسبة إلى عاداتي في الترجمة، فأنا أُخضع العمل إلى مراحل عدّة. في المرحلة الأولى، وبعد قراءة المادّة، أُترجمها ترجمة أوّلية وحرفية تكون قريبة جدّاً من النص الأصلي، ثم أبتعد عنها وأُعيد قراءتها بعد فترة من الزمن كي أُدخل عليها التعديلات لجعل أسلوبها أقرب إلى اللغة الإيطالية. وهنا تكون مرحلة تحويل النص، وفي مرحلة لاحقة أعرضها على شعراء أو قرّاء. وفي المرحلة الأخيرة، أُحاول أن أجد الصيغة النهائية للنص.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لحسن الحظ لم يحصل.
■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟
- ما أتمنّاه للترجمة بصفة عامّة هو أن تبقى أوّلاً عملية حضارية وإنسانية، وأنْ تستمرّ في الانفتاح على الآخر والتعرُّف عليه وقراءته، فلكلّ ثقافة ما تعطيه، ولا يمكننا تجاهل التأثير والتأثّر الذي يحصل بين الحضارات والشعوب. وما أتمنّاه للترجمة العربية بصفة خاصّة هو أن تعي ما ينقصها وأن تضع خططاً فعّالة للتعريف بالثقافة العربية وترويج تعدّديتها وخاصياتها.
أودّ أن أجد الوقت والعزلة الكافيين لكي أتفرّغ أكثر للترجمة، وأن أُترجم أيضاً أعمالاً نقدية تستحقّ أن تحلّق خارج الآفاق العربية.
بطاقة
مترجمة من العربية إلى الإيطالية وبالعكس وأستاذة في جامعَتي كافوسكاري وبولونيا الإيطاليّتَين، من مواليد مدينة بن أحمد في المغرب عام 1980. حاصلة على دكتوراه في الأدب المقارن من جامعة بولونيا عام 2011. صدرت لها كتبٌ في تدريس اللغة العربية، وترجمت عدّة مجموعات لشعراء عرب وإيطاليّين؛ من بينها: "سيرة مرضية" (2019) لأشرف فيّاض، و"باب السعادة" (2020) لـ فاليريا دي فيليتشي، و"رأس تداولته القبّعات" (2020) لهادي دانيال، و"على انفراد وقصائد أُخرى" (2021) لحسن نجمي.