مفكرة المترجم: مع مجدي عبد المجيد خاطر

19 ديسمبر 2022
مجدي عبد المجيد خاطر
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين في مشاغلهم وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "الكاتب في داخلي يُطلّ بين حين وآخر، لكنّي أحرص على ألّا يتخطّى دوره بمُساعدتي في التماهي مع المؤلّف الأصلي وصوته ونبرته"، يقول المترجم المصري في لقائه مع "العربي الجديد".



■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟

- في أثناء بعثة تدريبيّة في أدنبرا بالمملكة المُتحدة عام 2004. آنذاك، كنت أنتظر صدور كتابي الأوّل عن "المجلس الأعلى للثقافة" في مصر، وكان مجموعة قصص حملت عنوان "مُجرد شكل". على أنّ الأمر لم يتجاوز ترجمة بعض مقالات ونصوص أدبيّة قصيرة لبعض الصحف والمجلّات، ولم تصدر ترجمتي الأُولى في كتاب إلّا في أعقاب ثورة يناير 2011، وهي "إفطار عند تيفاني: رواية قصيرة وثلاث قصص" للكاتب الأميركي ترومان كابوتي عند "دار أزمنة" في الأردن.


■ ما آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟

- صدرت لي هذا العام ثلاث ترجمات: الأولى عن "دار العين" في القاهرة، وهي رواية بعنوان "المُعلَّب" لكوبو آبي، وهو واحدٌ من أبرز كُتّاب الأدب الطليعي في اليابان خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وكثيراً ما يوصف بأنّه كافكا اليابان. أمّا الثانية، فعن سلسلة "عالم المعرفة" في الكويت، وهي كتاب "عصرٌ مُظلم جديد: التقنية والمعرفة ونهاية المستقبل" للكاتب والفنّان التشكيلي والصحافي والتقني الإنكليزي جيمس برايدل، والثالثة عن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة، وهي كتاب "في أثر الملوك والغزاة: جيرترود بيل وأركيولوجيا الشرق الأوسط" لأستاذة فن وأركيولوجيا الشرق الأدنى في "جامعة كولومبيا" البريطانية ليزا كوبر. وأترجم الآن للبريطانيّة، صومالية الأصل، نظيفة محمّد، روايةً بعنوان "أُولو الحظّ"، وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزتَي "البوكر" و"كوستا" عام 2021.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟

- هي تحدّياتٌ أكثر منها عقبات، أبرزُها، في تقديري، اختيارُ ناشر مُناسب. لذلك، أرى أنّ على المُترجم قراءة المشهد الثقافي جيّداً في عالمنا العربي والتعرّف إلى اتجاهاته وأطرافه وإدراك طبيعة القوى المؤثّرة فيه. أتصوّر أنّ مثل هذه القراءة تُساعد في توجيه المُترجم وإرشاده لاختيار ناشر بما يتّفق مع طبيعة الكتاب الذي يعتزم ترجمته، وما يطرحه هذا الكتاب. هذه نقطة هامّة؛ إذ لكلّ من النشر المؤسَّسي والخاص مثلاً ميزاته وعيوبه، ولبعض دُور النشر ذائقة وتفضيلات تُميّزها عن غيرها. لكن يبقى في النهاية التحدّي الأكبر وهو ألّا يتكلّس المُترجم، وأن يحرص دائماً على تطوير أدواته وبناء رؤيته الخاصّة عن مهمّته وعن دور الترجمة وطبيعتها.

أبرز التحدّيات التي تواجه المترجم اختيارُ ناشر مُناسب

■ هناك قول إن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- الترجمة حالة من حالات الإبداع؛ ولا سيما ترجمة النصوص الأدبيّة، لذلك فإنّ ما هو مقبول بالنسبة إلى تحرير النصوص الإبداعيّة يُمكن قبوله بالنسبة إلى النصوص المُترجَمة، مع الفارق طبعاً. رغم ذلك، لم أتعامل بشكل شخصي، في دُور النشر التي تعاملتُ معها، إلّا مع مُراجعين لغويّين، وهؤلاء يقتصر دورهم على مُراجعة النصّ إملائيّاً ونحويّاً، وهو دور هامّ بكلّ تأكيد.


■ كيف علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- أعتبر نفسي محظوظاً بالناشرين الذين تعاملتُ معهم. أمّا بالنسبة إلى مسألة اختيار العناوين، فبعضُها يختاره الناشر ويرشّحه لي، والبعض الآخر أختاره، مثل كتابيَّ المُترجمَين في سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية، وهما "صناعة السعادة: كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكُبرى الرفاهية" لأستاذ علم الاجتماع والاقتصاد السياسي ويليام ديفيز، و"عصر مُظلم جديد: التقنية والمعرفة ونهاية المستقبل"، وغيرهما. 


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- السياسة في رغيف العيش كما يُقال؛ لذلك لا تقتصر الاعتبارات السياسيّة على القضايا الكُبرى رغم أهميتها، بل تتعدّاها إلى كلّ ما يتّصل بالإنسان وهمومه وأحلامه وواقعه المأزوم. على أنّ هذه المسألة يتوقف دورُها عند اختيار الكِتاب. أمّا إذا بدأتُ الترجمة، فدوري هو نقل ما يقوله الكاتب بوضوح وأمانة ومن دون أدنى تدخُّل أو تحريف أو حتّى إدراج هوامش أناقش فيها أفكار الكِتاب. قد يأتي التوقف عند طرح الكتاب أو مواقف الكاتب لاحقاً، في مقال أو مُراجعة للكتاب أكتبها أنا أو يكتبها غيري، لكن ليس في الكتاب نفسه. أعتقد أن نقل رسالة الكتاب من دون تشويش مهمّة المترجم الأُولى.

نقل رسالة الكتاب من دون تشويش هي مهمّة المترجم الأُولى

■ كيف علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟

- أحرص في أغلب الأحيان على التواصل مع الكتّاب الأحياء مِمن أترجم لهم. ولا تزال تربطني ببعضهم علاقة قوية حتّى بعد صدور الترجمة، وأخصّ منهم بالذكر الكنديّة ليزا كوبر، أستاذة فنّ وأركيولوجيا الشرق الأدنى التي قطعت إجازتها للردّ على أحد استفساراتي بشأن الكتاب، والروائي الكندي ذا الأصول المصريّة عمر العقّاد الذي ترجمتُ له رواية "حرب أمريكية" وصدرت عن "دار كلمات" في الشارقة. 


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- بدأتُ كاتباً للقصّة القصيرة، وكتابي الأول -مثلما أشرت في السابق- كان مجموعة قصص صدرت عام 2005. لذلك، لا ريب أنّ الكاتب في داخلي يُطلّ بين حين وآخر، لكنّي أحرص على ألّا يتخطّى دوره بمُساعدتي في التماهي مع الكاتب وصوته ونبرته، كي أقول ما يقوله المؤلِّف الأصليّ تقريباً حسب تعبير أمبرتو إيكو.


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- الجوائز مهمّة جِدّاً، سواء لجانبها المادّي أو المعنوي. هي كلمة الشكر للمُترجم التي تعني له أنّ المعنيّين يرونه ويقدّرونه، وأنّ ثمّة من يُعير جهوده الاهتمام والاحترام. على أنّ هذه الجوائز قليلة، وثمّة مترجمون أكفياء كُثر أصحاب مشاريع ورؤى لم يحظوا بما يستحقّونه من تقدير وتكريم.

ثمّة مترجمون أكفياء كُثر لم يحظوا بما يستحقّونه من تقدير

■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- بعض المشاريع ينقصها الانفتاح والشفافية في ما يخصّ اختيار المُترجم أو الكتاب، والبعض الآخر يُصيبه تدخُّل الدولة -في حالة النشر الحكومي- بالشلل ويُهدّده بالموت. لكن رغم أيّة نقائص قد نراها أو نتصوّر وجودها في مشاريع الترجمة المؤسَّساتيّة، إلّا أنّها مشاريع تقتضي التشجيع ودفعها للاستمرار وعدم التقليل من شأنها أبداً.


■ ما المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- أُحبّ القراءة عن الكتاب قبل قراءة الكتاب نفسه، ثمّ ترجمته. وأُولي ترجمة العبارة الأُولى اهتماماً كبيراً؛ إذ أتمكّن من خلالها من ضبط نبرة الترجمة إذا جاز التعبير. وأميل إلى إضافة هوامش معرفيّة من دون شرح أو تعقيب على الأفكار. وأسعى دائماً إلى الوضوح والدقّة قدر الإمكان.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- إلى الآن لم يحدث أن ندمت على ترجمة كتاب بفضل الله تعالى. وأرجو أن يستمر ذلك.


■ ما الذي تتمنّاه للترجمة إلى اللغة العربية، وما حلمك كمترجم؟

- مواكبة مستجدّات اصطلاحات العلوم والفنون والآداب وغيرها من خلال نحت واشتقاق مُرادفات عربيّة شافية، وتوحيد ترجمات هذه الاصطلاحات، وإيلاء اهتمام أكبر بالترجمة والمُترجِم ونوعيّة ما يُقدَّم من ترجمات. أمّا حُلمي، فترجمة ما يُضيف إلى وعي الإنسان العربي، وما أقاوم به نسياني حيّاً أوميّتاً!



بطاقة

كاتب ومترجم من مصر، من مواليد الإسكندرية عام 1976. حصل على بكالوريوس في العلوم والتربية عام 1998، وهو باحث دكتوراه في فلسفة التربية بجامعة المنصورة. من ترجماته: "إفطارٌ عند تيفاني" (2011) لـ لترومان كابوتي، و"حكاية أوزوالد: لُغز أمريكي" (2012) لـ نورمان ميلر، و"1876" (2014) و"هوليوود" (2015) لـ جور فيدال، و"عالم الرياضيات العجيب" (2018) لـ جين أكياما وماري جورويز، و"صناعة السعادة" (2018) لـ ويليام ديفيز، و"فنّ الكتابة" (2020) لـ روبرت لويس ستيفنسون، و"نمط غير شائع" (2020) لـ توم هانكس، و"عصر مُظلم جديد"(2022) لـ جيمس برايدل. صدرت له، أيضاً، مجموعة قصصية بعنوان "مجرّد شكل" (2005). وله قيد النشر رواية "لا يُمكن أن يحدث هُنا" لـ سنكلير لويس.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون