استمع إلى الملخص
- يواجه المترجم العربي عقبات مثل صعوبة الحصول على حقوق النشر والدعم الثقافي، ويعتبر الزايدي المحرر ضرورياً رغم تجربته غير السارة معه، مشيراً إلى أهمية العلاقة الجيدة مع الناشر والجوائز كاعتراف بجهد المترجم.
- يتمنى الزايدي تعزيز التعليم الجيد وثقافة القراءة في العالم العربي، مع تدريس اللغة العربية في الغرب، ويطمح لتقديم أعمال تساهم في التصالح بين الشعوب، ويعمل كطبيب بيطري وله أعمال مترجمة مثل "رمل أزرق".
تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "بدأت الترجمة الأدبية بدافع اقتسام غنائمي النصية مع أصدقائي الكتّاب"، يقول المترجم والكاتب الليبي المقيم في السويد مأمون الزايدي لـ"العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- شعورٌ بالألم الشديد وبالعجزِ والإحباط. ولكنَّني أوقن أنّ المقاومة هي الخيار الصحيح الوحيد للانتصار، كلّ قصص المقاومة عبر التاريخ والجغرافيا تثبت ذلك. الحياة الحقيقيّة هكذا، إما العيش بشرفٍ أو الموت بشرف. وعلينا دعم المقاومة بكل ما نستطيع دون تردّد أو مواربة.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- بدأت منذ مطلع التسعينيّات، كنتُ أعمل على ترجماتٍ علميّة مُتخصِّصة، ولم أتشجّع على الترجمة الأدبيّة إلا بدعمٍ من الأصدقاء القُرّاء. كنّا نعقد جلساتٍ أدبيّة وقرأتُ لهم بعضاً من ترجمتي لنصوصٍ من كتاب للروائيّة الجامايكيّة أوليف سينيور، فراقت لهم، وواصلت الترجمة حتى أنهيت الكتاب، وعندها نصحوني بالنشر. تمكّنت من ذلك بعد سنتين من المراسلات، وتواصل العمل بفضل الله.
ترجمتُ الأدب بدافع اقتسام غنائمي النصية مع أصدقائي الكتّاب
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- كتاب "السياسات الثقافيّة للعاطفة"، للباحثة البريطانيّة - الأستراليّة سارة أحمد؛ وهو كتابٌ يبحث في استخدامات العاطفة في الخطاب السياسي والخطاب الموجّه للجماهير. وأعمل الآن على كتاب "مجاز الوحش: مقاربات متعدِّدة التخصّصات لفهم الآخر /الوحش في الأدب"، لمجموعة من الباحثين الأكاديميّين. وهناك قائمة بكتب من إصدارات 2023 و2024، بانتظار أن أوَفّق للعمل عليها.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- كثيرةٌ هي العقبات إذا أردنا الدقّة والموضوعيّة، وبعضها لا علاقة لها بعزيمة المٌترجم بالضرورة. هناك تحسين عمل الترجمة وهناك عقبات تتصل بسياق الترجمة، مثل ما يتعلّق بالنشر والدعم من المؤسَّسات الثقافيّة ودورها في جعل الكِتاب مُتاحًا للقارئ عبر قنوات مراكزها ومكتباتها العامة. ولا ننسى دور المؤسَّسة الأكاديميّة في تذليل بعض العقبات أيضاً. وعلى المستوى الشخصي، أهم العقبات التي أواجهها هي صعوبة حصول الناشر على حقوق بعض الكتب، فهذا يستهلك كثيراً من الوقت.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- المُحَرِّر مهم لإنتاج كتاب يليق بالقارئ، هذا من أبجديّات النّشر. ولكن تجربتي معه كانت غير سارّة تمامًا، ولكن وجوده أفضل بكثير من غيابه، وحبّذا لو كان مبدعًا، لأنَّه سيدرك ما قد لا يدركه غيره في الترجمة مقارنة بالأصل.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- جَيّدة. أتمنّى أن تستمرّ كذلك. وأنا في الغالب من يقترح الكتاب على الناشر.
الترجمة إعادة تقديم للكتاب بضعفه وقوّته وليست إعادة تأليف
■ هل هناك اعتبارات سياسيّة لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- شَخصيًّا يهمني الكتاب ومحتواه أوّلاً، ولا تهمّني جنسيّة أو معتقدات صاحبه، أو مواقفه السياسيّة أو حتى شهرته مثلًا. المهم أن يكون في الكتاب طَرحٌ جَيّد ومُمَيّز، وأرى أنَّ ما فيه يجب أن يصل إلى القارئ العربي؛ لأنَّه سيزيد من حصيلته المعرفية، لكنّ الاستمرار في المشروع حتى نهايته أمرٌ يُحدّده الناشر، الذي أعرف أنّ لديه في كلِّ بلدٍ عربيٍّ خطوطًا حمراء وصفراء وزرقاء لا ينبغي تجاوزها. لكن هذا لا يمنع من المناوشة هنا وهناك، وصعوبات بل ومنع يواجه هذا الكتاب أو ذاك ولأسباب تتفتّق عنه كالعادة عبقريّة الرقيب.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- بعضهم أعرفه وبيننا تواصل عبر البريد، والبعض الآخر لا. أهتمّ طبعًا بمتابعة جديده وبعضهم تَرجمت لهم أكثر من كتاب.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- أُحاول إبقاء العلاقة متوازنة ولا أتدخّل في النص، ولكنّها علاقة مهمّة، فهي التي تقود إلى هذا النص دون غيره. عندما بدأت الترجمة الأدبية، كان ذلك بدافع اقتسام غنائمي النصية مع أصدقائي الكتّاب. وهكذا يظلّ الكاتب موجودًا حتى ولو لمجرّد خياراته. كما أن هذا الكاتب الذي بداخلك هو من قد يصدم المحرّر أو يغيظه وليس المترجم؛ لأنّه قد يتصوّر الترجمة إعادة تأليف للكتاب، وأنا أفهم أنّها إعادة تقديم الكتاب في لغة أخرى بمناطق ضعفه وقوّته دون تدخل. طبعًا أغلب الخلاف يحصل مع الأعمال القصصيّة حين يتجاوز الكاتب اللغة أو الأسلوب.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- نظريًّا على الأقل، الجوائز هي بادرة امتنان واعتراف بجهد المترجم، وحيثما وجدت فهي دليل رقي وتقدّم مانحيها أوّلاً. إنّها استحقاق ينبغي أن يكون مُتاحًا لكلِّ مجتهدٍ دؤوبٍ استطاع أن يحدث فَرقًا. لكنّها بالطبع ليس هدفًا في حدِّ ذاتها. كما أنّه ليس من الذكاء الإفراط في توظيفها لأغراض أخرى؛ فهذا يفقدها المصداقيّة.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- في هذا الشأن لديّ طموحات كثيرة ولا يقنعني القليل، فنحن نتحدّث عن مؤسّسات لديها ميزانيات. ينبغي الاعتراف حقًا بالرّيادة لبعضها؛ لتقديمها نموذجًا ينبغي الاحتذاء به. أتصوّر في المستقبل القريب أن يتولّى مستثمرون أفراد مهمة بعض هذه المؤسسات النائمة أو الكسولة أو التي اهترأت جراء البيروقراطية، خصوصًا في ظلِّ تغيّر الظروف الاقتصادية والاجتماعية عقب انهيار سلطة الدولة المركزية في عدد من دول المنطقة، وما صحب ذلك من تغيّر ثقافي. فالعمل في المجال الثقافي صناعة في العالَم المتقدّم، ولا يعني ذلك تقليده حرفيًّا، بل يمكن الاقتداء بالكثير من السياسات وتطبيقها بشكل مناسب.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها بوصفك مترجما، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- الأهم هو احترام القارئ واللغة العربيّة، وأسعى لأن يخرج من تجربة القراءة بخبرة جيّدة. لستُ الوحيد في هذه المسؤولية، إلا أنّني أبذل ما بوسعي في هذا الشأن، عدا ذلك أنا كائن ليليّ أعمل حتى الفجر. أشرب الكثير من الشاي الأخضر أو القهوة وأتناول ما نسميه في ليبيا "الكعك المالح"، فهو رفيق جيد أثناء العمل. أضيّع بعض الوقت في محاولة تصميم غلافٍ للكتاب قبل أن أبدأ بترجمته، وتعلّمت بعض برامج التصميم لهذا الغرض. من المُبهج حقّا تخيّلك للكتاب جاهزًا، فهذا يعطيك حافزًا ويُشجِّعك على تجاوز المشقّة. لا يحفل الناشر عادة بهذا الغلاف فهو يخصني، لكن بعضهم استوحى منه وفي أحيان اعتمدهُ غلافا للكتاب.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لم يحدث أن ندمتُ على ترجمة كتاب، بل على العكس، في ظلِّ الإنتاج الهائل للمطابع في اللغة المصدر، أشعر بالندم والحسرة على عدم تمكّني من ترجمة عدد كبير من الكتب التي اقترحتها على دور نشر عديدة دون مستجيب. مؤخّرًا سعدتُ جدًا بأنَّ أحد الكتب الذي كنتُ أسعى لترجمته قبل سنتين قد صدر لمترجم آخر، وما أسعدني هو عدم ضياع هذا الكتاب؛ لاحتوائه على وثائق من الأرشيف تُنشر لأوّل مرة ضمن رسالة دكتوراه تتعلّق بجزء مهم من تاريخ دولةٍ عربيّة شقيقة. هذا الكتاب سيسهم في التصالح والوئام بين أفراد شعبها دون شك.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك بوصفك مترجما؟
- أتمنّى أوّلًا الاستقرار لشعوب منطقتنا على كافّة المستويات، وأن يزداد اهتمامنا بالتعليم الجيّد حتى تترسّخ ثقافة القراءة وتصبح سلوكًا مُعتادًا يمتدّ مع الإنسان طوال حياته. والله وحده يعلم كم يمكن لهذه العادة وحدها أن تغيّر من الإنسان نحو الأفضل. كما أتمنّى أن نولي عناية أكبر بتدريس اللغة العربيّة وآدابها، وخصوصًا في دول الغرب، حيث يتزايد الاهتمام باللغة العربية والإسلام. وأن يتم اعتماد اللغة العربيّة بما هي أفضل لغة في التعبير الأدبي، وأن يكتب بها متعلّموها من غير العرب كما نكتب الآن بالفرنسيّة والإنكليزيّة، وهذا ليس تعصّبًا بل إنصاف. حلمي أنا المترجم أن يمكّنني الله سبحانه وتعالى من أن أنجز ما يُسهم بشيءٍ ولو بسيطا في الكثير الذي ينتظر لقرون أحدًا ليُسهمَ فيه.
بطاقة
كاتب ومترجم ليبي مقيم في السويد. يعمل طبيباً وجرّاحاً بيطرياً. صدرت له رواية بعنوان "رمل أزرق" (2019)، ومجموعة قصصيّة "ستذروك ريح" (2024). له في الترجمة: "حديقة استوائية" للشاعرة الجامايكيّة أوليف سينيور (2017)، و"سيرة ذاتيّة للأحمر" للشاعرة الكندية آن كارسون (2021)، ورواية "ليل الصليب المعقوف" للكاتبة البريطانية كاثرين بوردكين (2018)، و"بضع جمل قصيرة عن الكتابة" للكاتب الأميركي فيرلين كلينكنبورغ (2018)، و"المكتبة الجهنمية - في أدبيات الديكتاتورية" لـ دانيال كالدر (2021)، و"غريزة الاقتداء: تاريخ ثقافي لبحث الإنسانية عن المعنى" لـ جيرمي لنت (2022)، و"في علم نفس الاعتقاد - الهراطقة: رحلات جريئة مع أعداء العلم" لـ ويل ستور (2022)، و"السياسات الثقافية للعاطفة" لـ سارة أحمد (2024).