تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "لا أعمل على كتاب لا يعنيني على الصعيد الفكري، فما أختار ترجمتهُ هو ما سأختارُ قراءته"، تقول المترجمة السورية في حديثها إلى "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
بدأت الحكاية خلال دراستي الجامعية. آنذاك شجّعني أحد أمناء مكتبة كلية الآداب في قسم اللغة الإنكليزية، قائلاً بأنَّ الترجمة عملٌ ينطوي على جُهدٍ إبداعي وبحثي تمامًا كعملِ الكاتبِ والباحثِ، وأصرَّ على أنّه عملٌ مُجزٍ فكرياً وشخصياً. تحمّست حقاً وبدأت بترجمة المقالات والمسرحيات. قادني هذا إلى نشر أولى ترجماتي في المُلحق الأدبي لـ"جريدة النهارِ" (2010)، وكانت مسرحية غنائية لوليم باتلر ييتس بعنوان "كالفري".
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتِها، وماذا تترجمين الآن؟
آخرُ ترجماتي روايةٌ من العربية إلى الإنكليزية بعنوان "نوتة الظلام" للكاتب والمخرج الفلسطيني فجر يعقوب، ونشرتها "دار الحاضرون" (أونتاريو- كندا). نُشرَت الرواية مع بداية هذا العام، وبالتزامن معها صدرت لي أيضاً مع "دار التكوين" ترجمةُ كتاب "روزا لوكسمبورغ تتحدّث" للمحرّرة والكاتبة الأميركية ماري أليس واترز. أمَّا حالياً فأنا أعمل على الجزء الأخير من "ثلاثية كينغزبريدج" للكاتب البريطاني كين فوليت وهو بعنوان "أعمدة الأرض".
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
كما هو الحال في أيّ مهنة، فإنَّ لمهنة الترجمة عوائقها الخاصَّة. شخصيًّا، أهمّ العوائق التي تواجهني هي عوائق لوجستية. بمعنى آخر، أنا أعمل في سورية ولذلك لدي مشكلة الإنترنت والكهرباء وحجب المواقع إلى آخره. أمّا عربيًّا فأعتقدُ أنَّ أهمَّ العوائق هي سياسات دُور النشر الربحية التي تؤثّر على علاقتها مع المترجم/ة، وهذا بدورهِ يؤثّر على جودة العمل. هناك أيضاً غياب تقدير من الدُّور والمؤسّسات بل حتَّى الأفراد لعمل المترجم، وهذا يؤثر على تقديره لذاته وجودة إنتاجه.
سياسات النشر الربحية تؤثّر على الجودة وتسلب التقدير
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
أترجم وأحرّر في آنٍ واحد. بعد الانتهاء من كلّ فصل أو قسم أرسِلهُ إلى مدقّق لغوي أعمل معه بشكل مُستقلّ عن الدارِ التي أُترجم الكتاب لصالحها، وفي كثير من الأحيان يقترح عليَّ المدقّق اللغوي صياغات أكثر دقةً، لغوياً وتعبيرياً. عندما أرسل المخطوط إلى الدار التي أعمل معها يراجعه مدقّق لغوي وقارئ، وأحياناً يتواصلان معي بخصوص مواطن الالتباس في المخطوط، لكن عندما أتسلم النسخة التجريبية الأخيرة من الترجمة أتعقّبُ التغييرات وأنظر فيها، ثمَّ أعيد قراءة العمل ككل للمرّة الأخيرة وأجري التعديلات النهائية.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، لا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
عمومًا، تختار دُور النشر العناوين وتكلّف بها المترجمين، وهذا ما يحدث معي في معظم الأوقات، ولكن من جهة أُخرى سنحت لي فرص اختيارعناوين والعمل عليها. حدثَ معي هذا خلال عملي مع "دار التكوين" فقد اخترت كتاب "الديالكتيكية الجنسية" لشولميت فايرستون (2018)، وكتاب "نساءُ كوبا: ثورةٌ داخلَ الثورة" (2021) لماري آليس واترز، وكتاب "روزا لوكسمبورغ تتحدّث" (2022) تحرير وتقديم ماري آليس واترز أيضاً.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
بالطبع هناك اعتبارات سياسية للأعمال التي أترجمها. بدايةً، لا أجدُ نفسي مستعدّةً، شخصياً وأكاديمياً، للعمل على كتابٍ لا يعنيني على الصعيد الفكري، فما أختار ترجمتهُ هو ما سأختارُ قراءتهُ. ثانيًا، المترجم/ة يمارسُ عملاً كعمل الكاتب/ة، ولذلك يجب أن يخاطبهُ العملُ حتَّى يتمكن من نقلهِ بأمانةٍ.
الترجمة مساحتي التي أمارس من خلالها الكتابة
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
عمومًا، ما من علاقات مباشرة بيني وبين الكُتّاب/ الكاتبات ممّن أترجم لهم، ولكن عندما أعملُ على كتابٍ ما لا بدَّ لي من أن أنغمسَ في حياة وعقلية كاتبه/ كاتبته، ويقودني هذا إلى نبش كلّ شيءٍ عنه/ عنها كمن يبحث عن نميمةٍ أو يحلُّ لغزًا ما. الأمرُ بالنسبةِ لي ليس مجرّد ترجمة كتاب بل حياةٍ كاملةٍ، والأمرُ يغدو أكثر حميميةً كلما طال أمدُ العمل على الكتاب. فأنا مثلاً أتذكّر أنّني بعد الانتهاء من كتاب "روزا لوكسمبورغ تتحدّث"، الذي أخذ معي قرابة العامين، شعرت بالفقدان والحزن وكأنّني أودّع صديقًا، وعجزت لمدّةٍ لا بأس بها عن متابعة الترجمة.
■ كثيرًا ما يكون المترجم العربي كاتبًا، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
الترجمة عملٌ إبداعي ولذلك لا بدَّ للمترجِم من أن يمتلك روحَ الكاتب. يُصرّح الكثير من المترجمين بأنّهم لا يشعرون بالرضى التامّ عن منتجهم بعد الانتهاء منه، وأنا هنا أقول أليس هذا ما يشعر به الكاتب أيضًا؟ على الصعيد الشخصي لطالما حلمتُ بأن أكون كاتبةً ولا أقول بأنّني فشلت في ذلك فأصبحت مترجمة، بل على العكس فأنا أعتبر الترجمة مساحتي الإبداعية التي أمارس من خلالها الكتابة.
■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
غير كافية ومحكومة بالكثير من الاعتبارات.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
إنَّ تجربة الترجمة المؤسّساتية العربية فقيرة كمّاً ونوعاً، وتعوزها الكثير من المقومات التي تجعلها رياديةً وثوريةً، وهذا مرتبط بغياب برامج تدريب وتأهيل المترجمين، فحتَّى الآن ما زال المترجِم مشروعاً فردياً وليسَ مؤسساتياً.
ما أختار ترجمته يعنيني فكرياً وهو ما سأختار قراءته
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
أنا ابنة المؤسسة الأكاديمية ولذلك أعمل بمنهجيةٍ صارمةٍ وبجداول زمنية وقوائم. أمَّا عن عاداتي في الترجمة فأنا غالبًا ما أبدأ العمل صباحًا لأنَّ تركيزي وطاقتي وقتها أفضل مما هما بقيةَ اليوم، ولكن أحيانًا أغيّر هذا الروتين وأنتقل للعمل ليلاً. لا يوجد روتين ثابت وهذا يحرّرني من الشعورِ بوطأة العمل كواجب.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
لا يوجد كتاب أو نصّ ندمت على ترجمته، بل توجد كتب ونصوص أندم لأنّني لا أملكُ الوقت والجهة الراعية لترجمتها وتقديمها إلى القارئ العربي.
■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟
أتمنّى للترجمة إلى اللغة العربية أن تتمرّد على سُلطة شخصيّة اللغة العربية، وتسمح لنفسها بأن تُجرِّب وتستكشف وتخرج من منطقة راحتها. أمَّا حُلمي كمترجمة فهو أن أعمل أكثر وبحِرَفيةٍ أكبر على الترجمة من العربية إلى الإنكليزية.
بطاقة
مُترجمة سورية من مواليد اللاذقية عام 1986، صدرَ لها: "دليل اللاعنف" لمايكل ناغلر (2015)، "شاركني هذا الفالس" لزيلدا فيتزجيرالد (2018)، "ديانا: سيرة متخيّلة" لديانا كلهاني (2018)، "القلبُ صيادٌ وحيدٌ" لكارسون مكولرز (2019)، "الدياليكتية الجنسية" لشولميت فايرستون (2019)، "عمودُ نار" لكين فوليت (2020)، "الهدد إن حكى" لليلى أبو العلا (2020)، "نساء كوبا: ثورة داخل الثورة" لماري أليس واترز (2021)، "روزا لوكسمبورغ تتحدّث" لماري أليس واترز (2022)، "نوتة الظلام" لفجر يعقوب (إلى الإنكليزية، 2022) و"عالم بلا نهاية" لكين فوليت (قيد الطباعة).