مفكرة المترجم: مع رندة بعث

30 يونيو 2022
رندة بعث في بورتريه لـ أنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

■ كيف بدأت حكايتكِ مع الترجمة؟ 
هي حكاية طويلة، تعود لأواخر الطفولة، عندما كنتُ أدرس في "المدرسة الفرنسية" بالجزائر بسبب عمل والدي آنذاك هناك. كان شغفي أن أنقل ما أحبُّه من أغانٍ أو شعرٍ من الفرنسية إلى العربية وبالعكس. بعد ذلك بعقود، وجدتُ ما تمنّيتُ على الدوام أن أدرسَه في دورةٍ للترجمة في "المركز الثقافي الفرنسي بدمشق"، أشفعتها بدراسة دبلوم في الترجمة الفرنسية العربية بإشراف "جامعة ليون الثانية"، وبعدها بماجستير في الترجمة الفورية من "المعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية" بدمشق. هكذا بات بوسعي أن أمارس الترجمة بوصفها مهنةً دونما تعدٍّ عليها.

■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتِها، وماذا تترجمين الآن؟
آخر ترجمةٍ نُشرت لي هي لرواية بعنوان "الحياة الآثمة" للكاتبة الغوادلوبية ماريز كونديه، وقد صدرت عن دارَي "سرد" و"ممدوح عدوان"، في عودةٍ إلى الترجمة الأدبية بعد طول انقطاع. وحاليّاً أُلقي النظرة الأخيرة على رواية أخرى للكاتبة عينها، كي أسلّمها للناشر.

■ ما هي، برأيكِ، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 
قد تكون أهمّ عقبة يصادفها المترجِم العربي، ولا سيّما في بداياته، إثباتُ وجوده في مواجهة جشع بعض دُور النشر واستغلالها جهدَه. يجب أن يساعد المترجمون الذين تمكّنوا من ترسيخ أقدامهم المترجمين الناشئين الذين يستحقّون وجود مَن يفتح أمامهم الأبواب. وبعد ذلك، يستطيع المترجم أن يثبِت بنفسه مهارته وتمكّنه من مهنته. 

أعتذر عن ترجمة كتابٍ ما إذا لم يكن فيه إضافة للقارئ

■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
أرى أن دور المحرِِّر أساسيّ. فهو عينٌ ثانية، تتمكّن من التقاط ما يُمكن أن يقع فيه المترجم من هفوات، أو ما يُمكن أن يعتقده سلساً ومفهوماً، لكنّه غير ذلك بالنسبة إلى القارئ. أعتقد أنّ المترجم عندما يظنّ أنّه يستطيع الاستغناء عن محرّر، يكون قد وصل إلى مرحلةٍ ما من الاعتداد الزائد بالنفس. وأنا لا أتمنّى يوماً أن أصل إلى هذه المرحلة في أيّ يومٍ من الأيّام كيلا أسقط في فخّ الاستسهال.

■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
في معظم الأحيان، يقترح عليّ الناشر كتاباً أو أكثر لأختار منها. وعندما لا أجد أنّ ترجمة الكتاب تمثّل إضافةً حقيقيةً للقارئ العربي، أعتذر. وفي بعض الأحيان، اخترت أنا عناوين لترجمتها لأهميّتها واقترحتها على الناشر. العلاقة بيني وبين الناشر هي عموماً علاقة تعاونٍ وثِقةٍ متبادلة، ولا سيّما بفضل التزامي الدقيق بشروط العقد. حدث أن لم يلتزم ناشران بما تعهّدا به، لكنّني لم أسكت عن حقّي، ولذلك تشكّلت لديّ سمعة، منذ بدايات عملي في الترجمة، بأنّني لست ممّن "يُؤكَل لحمه"!

■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
أبداً، لأنّني أؤمن بأنّ مهمّة المترجم هي نقل مختلف الطروحات السياسية للقارئ في اللغة التي يترجم إليها، حتّى لو لم يكن موافقاً عليها. وأرفض إجراء أيّ تعديلٍ على ما استخدَمه من ألفاظٍ أو توصيفاتٍ لا تناسب ذائقة القارئ أو توجّهاته. 

■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
من حسن حظّي أنّني ترجمت عدّة كتبٍ لكُتّابٍ أستطيع التواصل معهم، ولا أتوانى عن الاستفهام أو التداول مع الكاتب المعنيّ. فمصلحته هي مصلحتي، من حيث تقديم كتابٍ يترجم بأمانةٍ قدر الإمكان أفكارَه وآراءه.

■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
أحاول قدر المُستطاع الحِفاظ على أسلوب الكاتب، حتّى في الأعمال الأدبية، فهذا حقّ الكاتب عليّ بوصفي مترجمة. وأعجب من المترجِم الذي يفرض أسلوبه في ترجماته بحيث نجد كتّاباً بأساليب متباينة وقد تُرجموا إلى لغةٍ أخرى وكأنّهم كاتبٌ واحد!

■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
جوائز الترجمة العربية مهمّةٌ جدّاً لتحفيز المترجمين على مزيدٍ من الاجتهاد في عملهم، لكن لسوء الحظّ، تلعب أحياناً الانتماءات المناطقية أو العلاقات الشخصية دوراً في اختيار عملٍ ما. أحد الكتب التي ترجمتها كاد يحصل على جائزة مهمّة، وأرسلت لجنة التحكيم للناشر رسالةً تشيد فيها بالترجمة إشادةً مشرّفة، لكنّ الجائزة ذهبت إلى مترجمٍ آخر. وكان السبب، في رأي الناشر، أنّ اثنين من أعضاء لجنة التحكيم ينتميان إلى بلد الناشر تخلّفا عن الاشتراك، ما جعل الجائزة تذهب إلى مترجمٍ من البلد الذي ينتمي إليه أكثر من عضوٍ في لجنة التحكيم!

■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
مشاريع الترجمة المؤسساتية ممتازة، لكن ينقصها التعريف بمترجمين جددٍ ربّما يكونون في بداية الطريق، لكن تنقصهم الفرصة ليثبتوا قدراتهم. خضتُ تجربةً متميّزة في رأيي، عندما أجرى "المركز الثقافي الفرنسي" بدمشق اختباراً للراغبين في ترجمة كتاب "بؤس العالم" لعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو. شارك عددٌ كبيرٌ من المرشّحين في الاختبار وصحّح الترجمات أساتذةٌ كبارٌ في الترجمة، اختاروا مَن رأوا أنّهم الأفضل. وهكذا ساهمتُ في ترجمة هذا الكتاب، على الرغم من أنّني كنتُ لا أزال في بدايات عملي في هذا المجال.

الاستغناء عن المُحرّر اعتدادٌ يُسقِط في فخ الاستسهال

■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
أبدأ بالاطّلاع على ما هو منشورٌ عن الكاتب وعن الكتاب، وأبحث عمّا تُرجم له إلى اللغة العربية. ثمّ أشرع في الترجمة بعد قراءة الكتاب. أترجم فصلاً فصلاً، ثمّ أراجع ترجمتي له. وبعد أن أُنهي الكتاب كلّه، أعود لقراءته ثانيةً وثالثةً، وبعد ذلك أرسله إلى قارئٍ ليقرأه باللغة العربية ويقدّم ملاحظاته عليه، فأطّلع على الملاحظات وأعيد النظر في الترجمة بالمقارنة مع النصّ الأصلي، وأعود بعد ذلك لقراءة النصّ كاملاً بعد أن أتركه لبضعة أيّام. 

■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
هنالك كتابان لا أقول إنّني ندمتُ حقّاً على ترجمتهما، لكنّني لا أعدّهما من الكتب المهمّة. والسبب في ذلك أنّهما كتابان ظرفيّان، كانت لهما أهمّيةٌ إعلاميةٌ آنذاك، لكنّني الآن لا أضعهما ضمن الكتب التي أضافت قيمةً حقيقيةً لعملي. 

■ ما الذي تتمنينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟
أتمنّى أن يتوسّع إطار الترجمة إلى اللغة العربية ليشمل حقولاً معرفيةً أوسع ولغاتٍ أكثر، وأن يحصل المترجمون إلى اللغة العربية على ما يمكّنهم من العيش بكرامةٍ بفضل عملهم، من دون أن يضطرّوا للتنازل مادّياً أو معنوياً، أو أن يمارسوا عملاً آخر يكفيهم مادّياً. أمّا حلمي الشخصي، فأن أرى طلّابي المتميّزين وهم يبرزون في هذا المجال وينالون الفرص التي يستحقّونها.


بطاقة
مترجمة سوريّة، من مواليد عام 1958 في مدينة إدلب، حاصلة على إجازة في الصيدلة من "جامعة دمشق" وعلى ماجستير في الترجمة الفورية. صدرت لها ترجمات عدّة، من بينها: "معنى الحياة: مقدّمة وجيزة" لـ تيري إيغلتون (2007)، و"البحث عن الشرق المفقود" لـ أوليفيه روا (2014/ الغلاف)، و"الأشكال الأوّلية للحياة الدينية" لـ إميل دوركهايم (2019)، و"الحياة الآثمة" لـ ماريز كونديه، و"الحب: مقدّمة وجيزة" لـ رونالد دي سوزا.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون