مفكرة المترجم مع بسام الربابعة

05 فبراير 2023
بسام الربابعة
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "رغم قلّة عددهم، ليس هنالك تنسيق بين المترجمين العرب الذين يترجمون عن اللغة الفارسية"، يقول المترجم الأردني في لقائه مع "العربي الجديد".



■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟

- بدأَت حكايتي مع الترجمة صدفةً؛ عندما كنت طالباً في "جامعة طهران"، وأثناء الإجازة الصيفية في الأردن طلب منّي أحد الزملاء مساعدةً لطالب دراسات عليا في "جامعة اليرموك"، بترجمة عدّة أوراق من اللغة الفارسية إلى العربية، والحقيقة أنّني كنت متردّداً؛ إلّا أنّني قمت بالمطلوب، وكانت هذه أوّل تجربة أخوضها، وأكسر فيها حاجز الترجمة.


■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها وماذا تترجم الآن؟

- صدر لي في السنة الماضية كتاب تحت عنوان "صورة العرب في الأدب الفارسي المعاصر" للباحثة والمستشرقة الأميركية جويا بولندل سعد. وحالياً هناك كتابان في المطبعة سيصدران عن "دار خطوط وظلال" خلال الأيام المقبلة بمشيئة الله تعالى، وهما من الأدب الفارسي المعاصر؛ أحدهما في الرواية ويحمل عنوان "أنطولوجيا الرواية الفارسية المعاصرة"، والآخر في الشعر وجاء تحت عنوان "مراحل الشعر الفارسي: منذ الثورة الدستورية وحتى سقوط الملكية".

أمّا عن الشق الثاني من السؤال، والمتعلّق بما أترجمه حالياً، فهو الجزء الثاني من كتاب "أنطولوجيا الرواية الفارسية المعاصرة"؛ فهذا العمل يقع في أربعة أجزاء.

لا توجد مؤسّسة ترعى حركة الترجمة بين العربية والفارسية

■ ما هي برأيك المهمة التي تقوم بها الترجمة؟

- تُعدّ الترجمة مشروعاً ثقافياً يسعى لكسر حواجز العزلة وتجاوزها، وإقامة العلاقات بين الأمم والشعوب وإحكام أواصرها، وبناء جسور تواصل والتفاعل مع الحضارات والثقافات الأُخرى، فالترجمة ظاهرة تدعونا إلى التفاعل والمثاقفة مع الآخر لا إلغائه؛ وهي أداة فعّالة لتجسير الهوة بين الثقافات وردم الفجوة بين الحضارات؛ وقد أضحت الترجمة عن اللغات الأُخرى ونقل المعرفة، والمساهمة في المثاقفة بين الأمم والشعوب الأُخرى مطلباً حضارياً وفكرياً. ونحن ندرك اليوم الدور الكبير والمهمّة العظيمة التي تقع على عاتق الترجمة في المثاقفة وتلاقح الأفكار وصقلها من خلال فكرة حوار الحضارات لا صراعها.

ومن ثم فإنَّ الترجمة تشكّل نطفة جديدة في عالم العولمة وحوار الحضارات، وممّا يؤيد هذا الشاعرُ الألماني يوهان غوته الذي كان مفتوناً بالشرق وثقافته، ودعا إلى التآزر والتلاقي والحوار والتقارب بين الشرق والغرب؛ فهو صاحب المقولة المشهورة: "إنَّ الشرق والغرب لا ينفصلان"، والتي تنقض مقالة صامويل هنتنغتون حول تصادم الحضارات، ومقولة روديار كيبلنغ الشهيرة "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا".


■ هنالك قول إن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرّر. هل ثمّة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- حقيقةً، دور المحرر مهم جدّاً في أي كتاب ولا يمكن إنكاره؛ حتى أنّنا نجد اسم المحرّر حاضراً ومثبتاً في الكتاب في بعض اللغات. ومن الضروري أن يخضع أيّ كتاب، سواء كان تأليفاً أو ترجمة، إلى التهذيب والتنقيح؛ ولا سيَّما كتب غير المختصّين باللغة العربية.

أمّا عن ترجماتي، فأنا من يقوم بتنقيحها وتهذيبها ومراجعتها مرّات عديدة، فأنا أحمل شهادة الماجستير في اللغة العربية، إلى جانب شهادة الماجستير والدكتوراه في اللغة الفارسية، وسبق لي أن عملت في التحرير اللغوي في عدّة صحف.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر ولا سيَّما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- غالباً ما أبادر إلى اختيار الكتاب الذي أريد ترجمته إلى اللغة العربية، وذلك بسبب قيمته العلمية، والفراغ الذي يسدّه في المكتبة العربية، ومن ثمَّ أتواصل مع دور النشر بحثاً عمّن يتبنّى الكتاب وينشره.

أختار الكتب الأدبية والثقافية وأبتعد عن السياسية والدينية

■ هل هنالك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

ليس لديّ أيّ اعتبارات سياسية في اختياري للأعمال التي أترجمها، والسبب في ذلك أنّني أختار دائماً الكتب الأدبية والثقافية، وأبتعد عن الكتب السياسية والدينية... وأنأى بنفسي عن الخوض في حيثياتها. وقد عُرضت عليَّ ترجمة بعض الكتب، وصل بعضها إلى الطبعة الخامسة والعشرين في لغتها الأم، وعندما قرأتها اعتذرت عن ترجمتها.


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟

- أحياناً أترجم لكاتب مشهور عرفته عن قرب؛ كأحد الأساتذة الذين درّسوني في جامعة طهران، وفي أحايين أُخرى يلفت انتباهي الكتاب أو الموضوع الذي تناوله الكاتب؛ حيث يكون الكتاب ذا قيمة علمية. وحينها أُقْدم على ترجمة الكتاب وأنا لا أعرف صاحبه، ككتاب "أنطولوجيا الرواية الفارسية المعاصرة".


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- نعم صحيح، غالباً ما يكون المترجم العربي كاتباً صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب، وكلّما كان المترجم متمكّناً من لغته الأم، وممارساً للعمل الإبداعي والكتابة، فإنَّ هذا ينعكس في ترجمته، ويظهر في أسلوبه وقدرته على الترجمة والنقل إلى اللغة العربية، وبالتالي فإنَّه يتقمّص دور المؤلّف وكأنه يكتب باللغة العربية، وحينها تظهر إبداعات المترجم وتتجلّى مهاراته في النص الذي يترجمه، وعندما تصل الترجمة إلى القارئ، فإنَّه يستمتع بقراءة النص المترجم، وكأنه يقرأ نصّاً مكتوباً بلغته الأم، لا نصّاً مترجماً، وهكذا فإنَّ العلاقة بين الكاتب والمترجم علاقة متكاملة ووطيدة.

أعيد النظر في ترجماتي مرّات عديدة حتى تختمر وتنضج

■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- جوائز الترجمة، على قلّتها، في العالم العربي عملٌ محفّز ومشجّع للمترجمين العرب على ترجمة كنوز الأدب العربي إلى اللغات الأُخرى، وترجمة كنوز آداب وثقافات الأمم والشعوب الأُخرى إلى اللغة العربية؛ وهذا من شأنه أن يعمل على إحياء حركة الترجمة وازدهارها في العالم العربي، وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنّ الجوائز المختلفة، ولا سيَّما الروائية منها، قد حفّزت حركة الترجمة بين العربية والفارسية؛ فمثلاً بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل للأدب عام 1988، تُرجم له ما يقارب خمس عشرة رواية إلى اللغة الفارسية، بينما لم يُترجَم له قبل هذا التاريخ سوى رواية واحدة، وهي "اللصّ والكلاب"، كما أنّ "جائزة البوكر للرواية العربية" جذبت عدداً من المترجمين الناطقين باللغة الفارسية، وحفّزتهم على ترجمة العديد من الروايات العربية إلى الفارسية، التي وجدت لها صدى طيباً لدى الناطقين بهذه اللغة، وخاصة النخبة الثقافية.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية، وما الذي ينقصها برأيك؟

- نظراً للحاجة الماسّة إلى إنعاش حركة الترجمة في العالم العربي، فقد أُنشئت في مطلع هذا القرن مؤسّسات وهيئات مختلفة عُنيت بالترجمة، وهي نقطة لافتة في حركة إحياء الترجمة في العالم العربي. ومن المؤكّد أن هذه المشاريع تستنهض همم المترجمين، وتحثّهم على المشاركة فيها وإغناء حركة الترجمة، ورفدها بالكتب النافعة المفيدة في شتّى المجالات، حتّى تسد فراغاً كبيراً في المكتبة العربية. وللأسف الشديد، ليس هنالك مؤسّسة في العالم العربي ترعى حركة الترجمة بين العربية والفارسية؛ بل ليس هنالك تنسيق بين المترجمين العرب الذين يترجمون عن اللغة الفارسية رغم قلّة عددهم، فما يُترجَم في بلد مجاور مثلاً لا نعرف عنه شيئاً، إلّا صدفةً أو بعد عدّة سنوات، وكلُّ ما يُترجم عن اللغة الفارسية يجري بجهود فردية، ولذلك فإنَّ مشاريع الترجمة المؤسّساتية، والتي تكاد تكون معدومة، ينقصها الكثير الكثير من الدعم المادي والمعنوي، وتنسيق الجهود، واختيار الكتب المنْوي ترجمتها، والبحث عن ناشرين على مستوى العالم العربي وخارجه.


■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معيّنة في الترجمة؟

- لمّا كان الإبداع يتفجّر من رحم المعاناة، فلا شك أنَّ الترجمة إبداع أيضاً؛ ولا أكشف سرّاً إذا قلت إنَّ ترجمتي معشوقتي أثقفها، وأعتّقها، وأعيد النظر فيها مرّات عديدة حتى تختمر وتنضج، وعند ذلك أكشف عنها نقابها، وأميط عنها لثامها وأخرجها للقارئ، حتى يستمتع بها ويتلذّذ بقراءتها؛ فترجمتي تقلقني وتؤرّقني؛ وتجعلني محتاراً وقلقاً في اختيار الكلمة المرادفة، والعبارة الدالّة التي تحمل الدلالة نفسها في اللغة المصدر، ولذلك فإنّني دائماً ما آخذ بعين الاعتبار، أثناء ترجمتي، القارئَ العربي، وكلّ من يشتغل في حقل الترجمة يعرف أنَّ هنالك نظريتين مهمتين في هذا المجال؛ أُولاهما الترجمة التي تهتم باللغة المصدر وصاحب النص (المؤلّف)، وتجتهد لمراعاة النص الأصلي وتبقى وفيَّة له، وثانيتهما التي تهتم باللغة الهدف (اللغة المترجَم إليها)، وبالمخاطب (القارئ)، وتبقى وفيَّة له.

وشخصياً فإنّني من أنصار الفريق الثاني؛ لأنّ الترجمة عندما تنتقل من لغة إلى لغة أُخرى يجب أن تخرج من ثوبها الأصلي، وتتزيّن بثوب اللغة الهدف، حتى تصل الرسالة إلى القارئ واضحة بيّنة، وبلغة سلسلة مفهومة، وهذا أشبه ما يكون بنظرية موت المؤلّف في النقد الأدبي، فقد انتهت مهمّة اللغة المصدر، ولو بقيت الترجمة في حلّتها الأصلية لما حقّقت هذا الهدف، ولحالت دون الفائدة المرجوّة منها.

أنطولوجيا الرواية الفارسية - القسم الثقافي

■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- بفضل الله وحمده لم أندم على أي كتاب أو نص ترجمته إلى اللغة العربية.


■ ما الذي تتمنّاه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟

- ممّا لا شكّ فيه أنّ هنالك فجوة كبيرة في الترجمة من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية؛ فكلّ ما يُترجَم في العالم العربي لا يكاد يُذكر مقايسةً مع ما يترجَم في الدول الأُخرى. ولا ريب أنّ الترجمة بين اللغات المختلقة - التي كانت على مرّ العصور والأزمان أهمّ وسيلة للمثاقفة بين الأمم والشعوب - أضحت تحظى بمكانة مرموقة وتضطلع بدور كبير في معرفة الآخر والانفتاح عليه؛ فليس من المعقول أن نبقى في منأى عن الآخرين، ونحن نعيش في قرية صغيرة، بل يجب علينا أن نبادر إلى التواصل مع الأمم والشعوب الأُخرى، ومعرفة لغاتهم وثقافاتهم وآدابهم وعلومهم المختلفة... وكلُّ هذه الأمور توجب علينا أن نبادر إلى فتح الأبواب الموصدة والانفتاح على الآخرين، وهذا لن يكون إلّا بالترجمة، التي أصبحت تحتلّ دوراً كبيراً في الحراك الثقافي ومعرفة الآخر والتواصل معه؛ متمنّياً للترجمة في العالم العربي أن تعود إلى ألقها وازدهارها وتلقى الاهتمام والعناية الجديرة بها.



بطاقة

مترجم وأكاديمي أردني من مواليد 1968. يعمل أستاذاً للغة الفارسية وآدابها ورئيساً لقسم اللغات السامية والشرقية في "جامعة اليرموك"، مهتم بالأدب الفارسي المعاصر والدراسات المقارنة بين العربية والفارسية والترجمة بينهما. من ترجماته: "الأدب الفارسي منذ عصر الجامي وحتى أيامنا" (2009) لمحمد رضا شفيعي كدكني، و"صورة العرب في الأدب الفارسي المعاصر" (2021) لـ جويا بلوندل سعد، و"مراحل الشعر الفارسي منذ الحركة الدستورية وحتى سقوط الملكية" (2023) لمحمد رضا شفيعي، و"أنطولوجيا الرواية الفارسية المعاصرة" (2023) لـ ميمنت مير صادقي. ومن مؤلّفاته: "المثاقفة العربية الفارسية: قراءات في ثقافة اللغة الفارسية" (2021).

المساهمون