مع غزّة: نادر كاظم

19 مارس 2024
نادر كاظم
+ الخط -
اظهر الملخص
- الكاتب البحريني يعبر عن تأثره العميق بالعدوان على غزة، مشيرًا إلى تأثيره على حياته اليومية والإبداعية، ويناقش صعوبات الاستمرار في العمل الإبداعي وسط الأحداث المأساوية.
- يتطرق إلى تأثير نضالات الشعب الجزائري والفلسطيني على عمله، ويعكس تساؤلات حول مسؤولية وفعالية العمل الإبداعي في مواجهة الظلم، مستشهدًا بموقف إدوارد سعيد.
- يختتم بالتأكيد على دور الإبداع في مواجهة الظلم ويعبر عن تمنياته بتغيير الموقف العالمي تجاه القضية الفلسطينية، مشيدًا بصمود الشعب الفلسطيني وأهمية التضامن الإنساني.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء" . "يا جرحنا المفتوح على كلِّ الاحتمالات منذ 76 عاماً، كم أخجل أن أتحدّث عنكم بلغة المأساة"، يقول الكاتب والأكاديمي البحريني لـ "العربي الجديد".


ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
حين بدأ العدوان على غَزّة، كنتُ أشتغلُ على كتابي الجديد، وتَشاء المصادفات أن يدور الفصل الذي كنتُ أشتغل عليه وقتها، حول شخصيّة نضاليّة استثنائيّة في تاريخ حركات التحرّر الوطني والنضال ضد الاستعمار والعنصريّة الغربيّة، وهو فرانز فانون، الطبيب النفسيّ والمناضل المارتينيكي الذي انخرط في الثورة الجزائريّة منذ عام 1956، حتى وفاته في عام 1961. وتداخلت في ذهني نضالات الشّعب الجزائري الأسطوريّة ونضالات الشعب الفلسطينيّ العظيمة. كما لا أنسى مشاعر الغضب والسخط والشعور بالعجز والخذلان، وأنَّ العالم لم يكتفِ بأن يتفرّج على مأساة شعبٍ يُذبح ويُجَوّع، بل كان متواطئاً على نحو مخزٍ وآثم.


كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
كانت أيام العدوان الأولى صعبة عليَّ نفسيّاً، كان ذهني مشغولاً بالكاملِ بما يجري في غَزّةَ ليلاً نهاراً، إلى درجة أنَّني لم أكن قادراً على لقاء أصدقائي. كما أنَّني شعرتُ وقتها بشيءٍ من تأنيب الضَّمير في الاستمرار في الكتابةِ في ظلّ هذه الظروف المأساويّة التي تعيشها غَزّة. وتذكّرتُ موقفَ إدوارد سعيد في آب/أغسطس 1979، عندما كان في بيروت، وعندما كانت "إسرائيل" تقصف مخيَّمات اللاجئين في الجنوب. كتبَ سعيد بأنَّه يشعرُ بالذَّنب لأنَّه يكتب مقالات عن كونراد وسويفت وغيرهما، في الوقت الذي تُقصف فيه مُخيَّمات اللاجئين. لم أكن وقتها أكتب عن كونراد ولا سويفت، بل عن فرانز فانون وعن إدوارد سعيد نفسه، وعن موقف جان بول سارتر الجبان من القضيّة الفلسطينيّة، ومع هذا كنت أشعر بالذنب.


إلى أي درجة تشعر أنّ العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
المفارقة هنا أن ثيودور أدورنو، المُفكّر الألماني اليهودي، هو الذي قال إنَّ "كتابة الشعر عملٌ بربريّ بعد أوشفيتز". وفي الحقيقة، يشعرُ الكاتب، في أيّ مجال كان، أنَّ الكتابة قد تكون عملاً لا جدوى من ورائه في ظلّ المأساة التي تجري في غَزّة، أو قد تكون عملاً غير مسؤول، ولا ينمّ إلا عن انعدام أي إحساس إنسانيّ. إلّا أنَّ الوجه الآخر للموضوع، أنّ الكتابة ضد المأساة قد تكون عملاً واجباً، ومطلوباً بإلحاح، بل هو عمل مشرّف وإنساني. وأنا في الحقيقة أصاب بالشلّل وعدم القدرة على الكتابة إبّان المأساة، وأشعر أنَّني إذا كتبت شيئاً وأنا غارق في هذا النوع من المشاعر المتأجّجة، فلن أكتب سوى كتابةٍ عاطفيّة ومتسرّعة، وهي أقرب إلى الصراخ من شدّة الألم.

تتداخل في ذهني نضالات الشّعب الجزائري والفلسطينيّ


لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
"لو كنتُ غيري لصرتُ أنا، مرَّةً ثانيهْ"، هكذا قال محمود درويش، وهكذا أقول. 


ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
شيٌء من العالم، ليس لأنَّ العالم لا يتغيّر بالأماني، بل لأنَّ كلمة "العالَم" تبسّط الكثير من التعقيد والتشعّب، ولهذا لا أشغل بالي بتغيير العالم، بل كل ما أريده هو أن لا يُغيِّرني هذا العالم، وأن أبقى لأشهد تغيير الموقف من القضيّة الفلسطينيّة حول العالم، وهو التغيّر الذي آمل أن يتصاعد إلى الحدّ الذي يتمكّن فيه من وضع حدٍّ لهذا العدوان الوحشيّ والمجنون على غَزّة.


شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟ 
على خلاف كثيرين قد يفكّرون في جيفارا أو مانديلا أو غاندي، فأنا أفكّر في فرانز فانون، فهذه شخصية إنسانية عظيمة ونبيلة واستثنائية على كلّ المستويات، وعلى الرغم من عمره القصير، فإنّ كُتبه العظيمة على قلَّتها، وأفكارِه التي ازداد تأثيرها بعد وفاته، ومواقفه وصموده الذي لم يكن يتزعزع، وتخلّيه عن كل شيء من أجل الانخراط في ثورةِ شعبٍ ليس هو شعبه، وإصراره على مواصلة النِّضال في الميدان وهو في أوج مرضه (سرطان الدم) الذي قضى عليه سريعاً، كل هذا يجعل هذه الشخصية استثنائية بكل المقاييس.

ما أعظم صبركم وصمودكم وجرحكم، وما أصغر كلماتنا!


كلمة تقولها للناس في غزّة؟
يا "ربيع العالم فينا"، ويا جرحنا المفتوح على كلِّ الاحتمالات منذ 76 عاماً، كم أخجل أن أتحدّث عنكم بلغة المأساة على الرغم من أنّ مأساتكم تَجُلّ عن الوصف، ما أعظم صبركم وصمودكم وجرحكم، وما أصغر كلماتنا!


كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
غزّة اختبار ليس لعروبتنا، بل لإنسانيَّتنا، أو لما تبقّى من إنسانيّتنا.


حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
حبيبتي دارين، لا أجد أبلغ من قول الشاعر ليكون تحيّة خجلى لروحك: "سأسمّيكِ كلَّ شيء، أنتِ عندي مفاجأةٌ ومرايا لكلِّ ضوء"، و"خبئي الدمعة للعيد، فلن نبكي سوى من فرح".


بطاقة

كاتب وباحث وأكاديمي من مواليد البحرين عام 1973. عمل أستاذاً للدراسات الثقافيّة في "جامعة البحرين". صدر له: "المقامات والتلقّي: بحث في أنماط التلقي لمقامات الهمذاني في النقد العربي الحديث" (2003)، و"تمثيلات الآخر: صور السود في المتخيّل العربي الوسيط" (2004)، و"الهوية والسرد: دراسات في النظرية والنقد الثقافي" (2006)، و"طبائع الاستملاك: قراءة في أمراض الحالة البحرينية" (2007)، و"استعمالات الذاكرة: في مجتمع تعددي مبتلى بالتاريخ" (2008)، و"خارج الجماعة: عن الفرد والدولة والتعدديّة الثقافيّة" (2009)، و"كراهيّات منفلتة: قراءة في مصير الكراهيّات العريقة" (2010)، و"إنقاذ الأمل: الطريق الطويل إلى الربيع العربي" (2013)، و"لماذا نكره؟ أو كراهيات منفلتة مرة أخرى" (2018)، و"لماذا الحرب؟ المناظرة بين فرويد وأنشتاين" (تحرير وتقديم، 2018)، و"لا أحد ينام في المنامة: التاريخ والمكان والإنسان" (2019)، و"الديمقراطيّة: الإله الذي فشل" (تقديم ومراجعة، 2019)، و"هل نولد عنصريين؟" (تقديم ومراجعة، 2020)، و"الشيخ والتنوير" (2021)، "تاريخ الأشياء: عن الشارع والمقبرة وأشياء أخرى" (2021)، و"أمة لا اسم لها: من بناء الأمة إلى تفككها" (2021 -2022)، و "من تاتا إلى البحرين سيرة بانيان البحرين"، (2023)، و"ما الأمة؟ مختارات مرجعيّة حول الأمة والقوميّة" (2023).
 

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون