استمع إلى الملخص
- يعتبر العمل الإبداعي ضروريًا لكشف بشاعة الاحتلال ويجب أن يكون له الأولوية في خدمة القضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى تشابك أشكال النضال.
- يعبر عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، مشيدًا بصمودهم كتحرير للإنسانية من الإمبريالية والصهيونية، ويدعو للتضامن العربي مع القضية الفلسطينية.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "نضال الفلسطينيّين أيقظ المختنقين بلَيل الإمبريالية المتوحّشة والداعمة الصهيونية"، يقول الباحث والأكاديمي الجزائري.
■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- الهاجس الأوّل الذي يشغلني ويؤرّقني فعلاً هو وقف العدوان الإسرائيلي على غزّة؛ العدوان الذي طالت مدّتُه ويبدو أنّه ليس كالمرّات السابقة التي حدث فيها أكثر من عدوان. هذه المرّة العدوان مستمرّ لأكثر من ثمانية أشهر في سابقة خطيرة اصطفَّ فيها الغرب المؤيّد للكيان وانخرط بسند مادّي لوجستي وبشري وإعلامي في عدوانها وحربها على الشعب الفلسطيني.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
- من الصعب التحدّث عن تأثير العدوان في ظلّ استمراره منذ شهور. ومن دون شك أنّ تواصُل القتل والتهجير والتجويع يحطّم ببطءٍ وتيرة الحياة العادية والهادئة اللازمة كي يعيش المرء حياته اليومية والإبداعية بشكل مستقرّ. مَن يستطيع أن يعيش حياةً عاديّةً يطمح فيها لتخصيص وقت للقراءة والكتابة وهو يحيا على وقع أخبار الحرب وويلاتها ومآسيها؟ مَن يقدر على الزعم بمواصلةِ الحياة بكيفية طبيعية وهو يرى بأمّ عينه وعلى المباشر ما تنقله وسائل الإعلام ووسائل التواصل كلّ دقيقة في حرب غير مسبوقة في التاريخ؟ لذا من الصعب التحدّث عن مدى تأثير العدوان الإسرائيلي على غزّة على الحياة اليومية والإبداعية لأي إنسان، وخاصّة في الجانب النفسي، إذ يُشعرك بدايةً بتفاهة وعبثِ هذا العالم، ويبعث في النفس شعوراً باليأس والإحباط جَرّاء سقوط الإنسانية في غزّة. فما كان يملأُ العالم من مبادئ الشرف والسلم والتضامن فقد صلاحيته اليوم على أرض غزّة.
الإنسان العربي متعلّق بالقضية وإن كبّلته الأنظمة
■ إلى أي درجة تشعر بأن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
- تكون لكلِّ نوعٍ من الأعمال الإبداعية فعالية ونجاعة إذا أمكن لصاحب العمل ابتداءً تجاوُز لحظة الصدمة الأُولى المُفضية إلى شللٍ عن الإبداع، واعتباره شكلاً من أشكال المقاومة، ذلك أنّ مقاومة أيّ احتلالٍ وعدوانٍ لا تكون بالسلاح والكفاح المسلّح فحسب، إنَّما تتشابك فيها كلّ أشكال النضال والمقاومة، بكلِّ ما يقوم به الإنسان من أفعال الكتابة الإبداعية والترجمة والفنون، وفي كلّ النشاطات الإنسانية والثقافية والرياضية، وكلّ ما من شأنه أن يكشف ويُبرز قبح وبشاعة وهمجية الاحتلال الصهيوني.
■ لو قُيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
- أرى أنّ العمل الإبداعي سيكون أولويةً ومُفضّلاً إذا كان هدفه خدمة قضية عادلة مثل القضية الفلسطينية، ولن يكون في هذا فرقٌ بين عمل سياسي أو نضالي أو إنساني إذا ما توحّدت الجهود من أجل هدفٍ واحد، هو الحفاظ على كرامة الإنسان الفلسطيني. فللسياسي دورُه في توجيه بوصلة القضية الفلسطينية داخلياً وخارجياً، وللمناضل أهمّيته في الكفاح ضد الغطرسة الصهيونية، تماماً مثلما أنّ للفاعل الإنساني مكانته في الصراع الدائر على أرض فلسطين. وبالمثل، فإنّ للمبدع، في نصوصه وأشعاره ولوحاته ومقالاته، أهمّية قصوى لدعم السياسي ومساندة المناضل وتعزيز عمل الإنساني، وأخيراً التضامن مع الفلسطيني في محنته.
رفعتم رؤوس الإنسانية وكنتم قلعتها الأخيرة في وجه الوحشية
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- لا يحضرني في الوقت الراهن سوى تغييرٍ واحد، هو توقّف العدوان الإسرائيلي على غزّة، فتتغيّر وضعية الإنسان الفلسطيني، من مضايَق ومطارَد إلى إنسان حرّ طليعي، قائد لتغييرٍ قادمٍ دشّنه بحسّه الطليعي في إيقاظ المختنقين والمكتوم على أنفاسهم بلَيل الإمبريالية والرأسمالية المتوحّشة داعمة الصهيونية، وهو التغيير الذي يشعر به العالم أجمع.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟
- قد تكون شخصية حنظلة لناجي العلي وما تُمثّله للإنسان الفلسطيني من رمزية النضال والمقاومة وحقّ العودة إلى الأرض. حنظلة وشخصيته رمزٌ لمقاومة الإنسان أينما كان. سأقول له: عُد يا حنظلة، لا تترك الطفل الفلسطيني وحيداً في أرض المعركة. المعركة لا تزال مستمرّة.
■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟
- أقول لهم أنتم ضمير ما تبقّى من الإنسانيّة وأنتم شرفها. لقد حرصتم على تحرير أنفسكم، ولكن أيضاً على تحرير العالَم الذي تهيمن عليه أطراف الأخطبوط الإسرائيلي، وقد فهم العالَم هذه الحقيقة. وشدَّدوا في مساندتهم ومظاهراتهم للشعب الفلسطيني عامّة، ولأهل غزّة خاصّة، على شكرهم؛ لأنّهم أيقظوهم من سباتهم وأعادوا إليهم اعتبارهم للحياة.
■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
- الإنسان العربي، وإن كبّلته الأنظمة بقيودها وحدودها، فإنّه متعلّق بالقضية الفلسطينية، وقد أبدت الأيام مدى تعلّقه بها، وعليه أن يُبرز ذلك اليوم بمختلف كيفيات التضامن وأشكاله مع إخوانه الفلسطينيّين، وأنا على يقين أنّ الإنسان العربي لم يقُل كلمته الأخيرة باتجاه فلسطين وأهلها.
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت: "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟
- كم أنتم أبطال من سلالة الأبطال. لقد رفعتم رؤوس الإنسانية وكنتم قلعتها الأخيرة في وجه أعدائها المتوحّشين الجدد. هنيئًا لكم بهذا الشرف والمجد والنصر لكم ولفلسطين كلّها.
بطاقة
باحث وأكاديمي جزائري من مواليد بسكرة عام 1962، حاصل على دكتوراه في الفلسفة ويدرّس في "جامعة قسنطينة". من مؤلّفاته: "فلسفة الخبرة: جون ديوي نموذجاً" (2004)، و"الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي" (2008)، و"الفلسفة الإغريقية" (2008)، و"ما بعد الفلسفة: مطارحات رورتية" (2009)، و"ما البيوإتيقا؟" (2020)، و"الأفق البيوإتيقي" في جزأين (2021، 2022)، ومن ترجماته: "ماكس فيبر ومفارقات العقل الحديث" (2010).