مع غزّة: عبد الله العنجري

06 مارس 2024
عبد الله العنجري
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "معركة الوعي لا تقلّ أهمية عن المعارك الأخرى"، يقول الباحث والناشط الكويتي.



ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- أكثر ما يشغلني هذه الأيّام هي التطوّرات السريعة التي تحصل بكافة أنحاء فلسطين، من غزّة إلى القدس المحتلّة. في الوقت الذي تقوم فيه "إسرائيل" بإبادة سكّان غزّة، وفرض حصارها الخانق على القطاع، استغلّت الجماعات الصهيونيّة المتطرّفة بقيادة المجرم إيتمار بن غفير انشغال العالَم بأحداث غزّة لتسريع عملية تهويد القدس. فمنذ عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر، سرّع الاحتلال وتيرة هدم منازل المقدسيّين في جبل المكبّر وحيّ سلوان، وأضف إلى ذلك استيلاء الحكومة الإسرائيليّة على أجزاء من الحيّ الأرمني في القدس المحتلّة. وفي الوقت ذاته، يقتحم المستوطنون الإسرائيليون المسجد الأقصى المُبارك لأداء طقوسهم التلموديّة فيه بشكل أسبوعي، وبالمقابل يتم حرمان الفلسطينيّين من الصلاة فيه.


كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- أثّر العدوان على حياتي كما أثّر على ملايين العرب والمسلمين حول العالَم. مُنذ بداية عملية "طوفان الأقصى"، أصبحت أنظارنا مُوجّهة إلى قطاع غزّة ليلاً ونهاراً، نسعى بكامل قوّتنا إلى نصرتها بأيّ طريقةٍ مُمكنة، سواء عن طريق تنظيم الوقفات التضامنيّة، أو مقاطعة منتجات الشركات المتواطئة مع الاحتلال الصهيوني، أو بالضغط على صُنّاع القرار في بُلدانِنا لاتخاذ إجراءات فوريّة وحازمة لمحاكمة "إسرائيل" على جرائمها البشعة في غزّة.


إلى أي درجة تشعر بأن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- لا شكّ في أنّ العالَم الأكاديمي يعتبر أحد أبرز ميادين النضال ضدّ الاحتلال، حيث إنّ معركة الوعي لا تقلّ أهميّة عن المعارك الأُخرى. بالرغم من سعي اللوبيّات الصهيونيّة في الدول الغربية لفرض هيمنتها على المناهج الدراسية في الجامعات لعقود طويلة، تمكّن الأكاديميون العرب في الدول الغربيّة من سرد روايتهم للقضيّة الفلسطينيّة بطريقةٍ فعّالة، ونتج هذا الأمر عن توعية الأجيال الغربيّة الصاعدة عن فلسطين بشكل كبير في السنوات الماضية، بعيداً عن الخُرافات والبروباغاندا الصهيونيّة.

الحكومات العربية متواطئة ومنسلخة عن مواقف شعوبها


لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- سأختار المجال الأكاديمي، فالمجال الأكاديمي هو المجال الذي أنار بصيرتي على تفاصيل دقيقة لم أكن أعرفها سابقاً عن النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما أنه عمّق فهمي لجذور القضيّة الفلسطينيّة وأبرز محطّاتها التاريخية، كالثورة الفلسطينية الكبرى، والنكبة، والنكسة، والانتفاضتين. والجدير بالذكر أيضاً أن جميع هذه المجالات تتقاطع مع بعضها البعض بطريقةٍ أو بأُخرى، فالعديد من الأكاديميين انخرطوا بالعمل السياسي، والنضالي والإنساني كذلك.
 

ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- كباحث دكتوراه بالدراسات الفلسطينية في دولة غربيّة، أسعى جاهداً إلى تغيير نظرة المجتمع الغربي تجاه القضيّة الفلسطينيّة، حيث إنّ العديد من الأشخاص في العالَم الغربي يؤمنون بأن الإسرائيليّين هم الضحايا، والفلسطينيّين هم المُعتدون، بالرغم من أن الإسرائيليّين هم المُحتَلوّن، والفلسطينيين هم أصحاب الأرض الأصليّون. لا شك في أن هذه النظرة المُشوّهة تجاه الشعب الفلسطيني تبلورت لدى الفرد الغربي نتيجة للصور النمطية والنظرة الاستشراقيّة، التي خلقها الإعلامي الغربي حول العرب والمسلمين بشكل عام، حيث يتم تصويرهم كـ"الوحوش البشريّة"، وأنهم غير حضاريّين، ومُتخلّفون، وأيضاً ربط الإعلام الغربي الدائم بين العرب والإرهاب بشكلٍ مُباشر أو غير مُباشر.


شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟

- هناك العشرات من الشخصيّات المُقاوِمة التي أودّ لقاءها في العالَم الأكاديمي وخارجه. أبرز هؤلاء الشخصيّات: إدوارد سعيد، وغسّان كنفاني، وناجي العلي. بالنسبة لإدوارد سعيد، فكتاباته العميقة أحدثت ثورة فكريّة وتحوّلاً كبيراً في العالم الأكاديمي. أمّا غسّان كنفاني وناجي العلي، فكانت وما زالت أعمالهم مؤثّرة إلى يومنا هذا. إن التقيت بهذه شخصيّات فسأسألهم عن قُراهم التي هُجرّوا منها، وعن العديد من الأمور الأُخرى كذلك.

ستظلّ أعمال غسان كنفاني وناجي العلي مُلهمة للأجيال


كلمة تقولها للناس في غزّة؟

- أقول لأهل غزّة: وإن خذلتكم الحكومات والأنظمة، ستبقى قضيّتكم القضيّة الجوهريّة لنا كشعوب عربيّة، وستبقون دائماً وأبداً بأعيُننا. خرج عشرات الآلاف للشارع في العواصم العربيّة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر دعماً لنضالكم وصمودكم الباسل. ولا شكّ في أنّ مواقف الحكومات العربيّة المتواطئة مع الاحتلال مُنسلخة تماماً عن رغبات شعوبها، فنحن الشعوب العربيّة نبرأ إلى الله من تخاذُل وخضوع هذه الأنظمة للغرب. كانت وما زالت ودائماً ستكون فلسطين هي البوصلة وهي أولويّة الأولويّات، وبإذن الله قد اقتربت ساعة التحرير.


كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- مضى أكثر من أربعة أشهر على إبادة إخواننا في غزّة، أتمنّى ألّا نُخفّف النشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وألّا نتوقّف عن حضور وتنظيم الوقفات التضامنيّة مع غزّة، وأن نستمرّ بمقاطعتنا منتجات الشركات المتواطئة مع الاحتلال، فهذا أضعف الإيمان وأقلّ واجب يُمكننا تقديمه لفلسطين. القضيّة الفلسطينيّة ليست "ترند" نتفاعل معه لبضعة أيّام أو أسابيع ثم ننساه، فما زالت عمليات التطهير العِرقي على قدم وساق، ولذلك علينا واجب أخلاقي جميعاً ببذل قصارى جهدنا بكافة الطُّرق لنصرة فلسطين، وألا نستهين بدورنا.


حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- يعجز لساني عن التعبير عن كمّيّة الألم والحسرة التي نشعر بها بسبب ما يحدث لأطفالنا في فلسطين جرّاء المجازر الإسرائيليّة الوحشيّة. أطفال فلسطين هم بمثابة أطفالنا، نفرح لفرحهم ونتألّم لألمهم. تنفطر قلوبنا عندما نراكم بهذه الظروف القاسية، وندعو الله يومًا بعد يوم أن يرفع عنكم هذا البلاء الشديد وأن يعوّضكم في الدنيا والآخرة.



بطاقة

باحث وناشط كويتي من مواليد 1997، وعضو في "ائتلاف الخليج ضدّ التطبيع". يُنجز حاليّاً رسالته في الدكتوراه بالدراسات الفلسطينية في "جامعة إكسيتر" ببريطانيا، تحت إشراف المؤرّخ إيلان بابيه والباحثة ناديه النجّاب. يسلّط الضوء في اشتغالاته البحثية على سُبل مقاومة تهويد القدس المحتلّة ضمن سياق الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.
 

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون