استمع إلى الملخص
- ترى بوهلال أن العمل الإبداعي لم ينجح في وقف الإبادة في فلسطين، حيث لم يتمكن الشعر والأدب من تغيير الواقع المرير، وتعبر عن إحباطها من عدم قدرة الإبداع على إحداث تغيير حقيقي.
- تؤكد بوهلال على أهمية الجمع بين الإبداع والعمل السياسي والإنساني، مشيرة إلى ضرورة ارتباط الإبداع بالآراء السياسية، وتوجه رسالة خجل واعتذار لأطفال غزة وفلسطين.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "لن يوقف الإبادة لا الشعر ولا أي عمل إبداعي" تقول المترجمة والشاعرة المغربية سهام بوهلال لـ "العربي الجديد".
■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- خرجت من بيتي كي أفكر في هذه الأسئلة، لأنَّ بيتي فيه ماءٌ ساخنٌ وماءٌ بارد للشرب، فيه زرابي، فيه كتب، فيه أقراط وأساور أتزيّن بها أحياناً غير عابئة بما يقع في العالَم. لأنّ القلوب تصدأ في البيوت. يتعفّن الدماغ بأفيون الروتين ونشرات الأخبار والمطبخ. رحتُ لحديقةٍ صغيرة فيها جدول صغير هو أيضاً، وعصافير كأنّها فرحة بالبرد؛ البردُ الذي يلسع الوجه ليوقظه ربّما. بيتي يطلُّ على مدرسة فيها أطفالٌ كُثر، يدرسون ويلعبون ويصرخون كأبالسة صغيرة. أوه، ما أبعدني من غزّة! كيف يحقُّ لي أن أتحدّث عن غزّة؟
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
- ألّهنا فلسطين حتى حسبناها إلهاً ننساه، أو حتّى لا نؤمن به. هل يكفي أن نخرج إلى مظاهرة بقلب باريس وننصب الشعارات أو نذكر غزّة خمس مرات في اليوم أو عند سماع أجراس الكنيسة المجاورة؟ كلُّ هذه أسئلة تفرض نفسها أكثر من الألم نفسه والحسرة أو الغضب والشعور بالعجز. كذبَ من ادّعى أنَّ غزّة هاجسه اليومي، هذه المرّة أيضاً. ولكن على نفسي ربّما الشعور بصمت رهيب ليس له قرار.
■ إلى أي درجة تشعرين بأن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
- فلسطين صارت كأنّها "الجِلد المسحور" (la peau de chagrin) لبلزاك على مدى خمسة وسبعين عاماً تحت الاحتلال الصهيوني. لم يوقف الإبادة لا الشعر ولا أي عمل إبداعي بحسب معرفتي المحدودة. ترى شعراء اليوم يُخرجون من أدراجهم قصائد تنعي المقتولين، عليها غالباً اسم غزّة، لأنها الأكثر تعرّضاً للعدوان، واسمها والقدس الأكثر شهرة. ربّما أبدو متشائمة جدّاً، ولكن للأسف هذا الواقع المرّ، لو كان الإبداع يُجدي لما انقطعتُ عن الكتابة. ماذا أكتبُ لكفِّ العدوان؟ ماذا أقول دون أن أخجل من عجزي، ودون أن يأنّبني الضمير اللعين... إننا فقط نؤرّخ لمأساة صارت اليوميَّ لفلسطين.
■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
- لا أرى فرقاً بين المجال الإبداعي والعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني. ربّما الإبداع هو الذي يجمع بين كل هذه الأمور، على الأقل فكريّاً. كيف نكون مبدعين إذا لم تكن لدينا آراء سياسية، إذا لم نهتم بمعاناة الآخر وإذا كنّا منعدمي الإنسانية؟ طبعاً ثمّة فرقٌ بين الإنسانية والعمل الإنساني، لكن حتى لو لم نسافر إلى أمكنة بعيدة، هناك مجال لممارسة العمل الإنساني ولو ببلدان غنيّة.
■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
- لا بد من أن يستوعب العالَم في جميع أنحائه أنَّ الآخر هو شخصٌ يشبهه، ويعكس له شكلاً مختلفاً لنفسه فقط.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟
- ليس لدي اسم بالضبط، ولكن سأقول لها أو له، أغبطك لأنّك لا ترى ما آل إليه العالَم.
■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟
- خذلناكم.
■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
- ألا تستحي؟
■ حين سئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟
- سامحونا، لا نملك سوى حبّنا المتفاني، وخجلنا منكم كلّما رأينا طفلة أو طفلاً يضحك.
بطاقة
مترجمة وشاعرة وروائية مغربية من مواليد الدار البيضاء عام 1966. من ترجماتها إلى الفرنسية: "الكتاب الموشّى" لأبي الطيب الوشّاء (منشورات غاليمار، 2004)، و"أدب النديم" (2009) لكشاجم.