مع غزّة: خالد اليملاحي

16 اغسطس 2024
خالد اليملاحي (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تأثير العدوان على غزة على الحياة اليومية والإبداعية:** الكاتب المغربي خالد اليملاحي يعبر عن انشغاله بمشاهد الدمار في غزة، ويشارك في تسليط الضوء على الأدب الفلسطيني من خلال كتابة مقالات نقدية وترجمة أعمال فلسطينية.

- **فعالية العمل الإبداعي في مواجهة العدوان:** يؤكد اليملاحي أن الأدب الفلسطيني هو نضال، مشيراً إلى دور الكتّاب في توثيق الأحداث وتفكيك الصور النمطية، ويشدد على ضرورة مساءلة الإمكانيات اللغوية والإبداعية في ظل العنف.

- **رسائل وتطلعات:** يعبر اليملاحي عن أمله في وقف العنف في غزة وعودة اللاجئين، ويشجع الأطفال الفلسطينيين على الكتابة والتعبير عن معاناتهم، مؤكداً أهمية قراءة رسائلهم.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر في إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "كيف نكتب بعد كلّ أشكال العنف والوحشية التي شهدناها؟"، يقول الكاتب والناقد المغربي خالد اليملاحي.



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادة على غزّة؟

- تشغلني مشاهد المذابح والمجازر والرعب والدمار التي تصلنا من غزّة وتُذكّرنا كلّ يوم بعجزنا الجماعي وفشلنا المدقع. يشغلني كون حرب الإبادة هاته اكتسبت طابعاً روتينياً عند البعض، كأنّها خبرٌ شبه عادي لم يعُد يُحرّك فيهم ساكناً. لقد كشفت الحرب على غزّة والصمت الرسمي الذي يواكبها، عن مجموعة من الإخفاقات على المستوى السياسي والتربوي والأخلاقي. كيف للعالم أن يتحدّث عن حقوق الإنسان بعد كلّ هذه الدماء والأشلاء؟ أين هي القيم الإنسانية أمام ما يشهده سكان غزّة من تهجير قسري وتجويع منهجي وعنف همجي لا نهاية له؟ كيف للمحفل الدولي أن يمضي في تطبيق ازدواجية المعايير دون أن يفقد ما تبقى من مصداقيته؟


■ كيف أثّر العدوان في حياتك اليومية والإبداعية؟

- لقد أصبح من الصعب، بل أحياناً من المستحيل، أن يشتغل المرء أو أن يكتب نصّاً أو يقرأ كتاباً أو مقالة من دون التفكير في غزّة وأهلها. لقد صارت غزّة جزءاً لا يتجزّأ من حياتي اليومية. أتابع الأخبار من كثب، أرقب أصداء الحرب وأثر الحركات الطلّابية والشعبية المناهضة للعدوان في كلّ مكان، كما أواكب قدر المستطاع المبادرات الثقافية التي تهدف إلى تسليط مزيد من الضوء على الأصوات الفلسطينية، خاصّة في الأدب والشعر.

لقد شهدت الأشهر الماضية اهتماماً متزايداً بتاريخ فلسطين وثقافتها وإسهامات الكتّاب والمفكّرين والشعراء الفلسطينيّين. على الصعيد الشخصي، حاولتُ أن أُسهم في هذه الحركية من خلال كتابة عددٍ من المقالات النقدية حول كتّابٍ وشعراء فلسطينيّين ترجمتُ أعمالهم مؤخّراً إلى اللغة الفرنسية أو الإنكليزية، وهذا من باب تقريب القارئ الغربي من الثقافة الفلسطينية وقضاياها. على سبيل المثال، أنا الآن بصدد تحضير مقال حول الترجمة الفرنسية لرواية "نجوم أريحا" للكاتبة الفلسطينية ليانة بدر التي جرت إعادة نشرها مؤخّراً بباريس.


■ إلى أي درجة تشعر بأن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- لقد علّمنا الأدب الفلسطيني أنّ الكتابة قضية، وأنّ الإبداع نضال، يبدأ بتوثيق الأحداث التاريخية ومواجهة الأسئلة السياسية والاجتماعية، من خلال إعادة صياغتها في قالب أدبي، يجعل القارئ يلتمس ملامح الشخصية الفلسطينية وهواجس الفلسطينيّين على اختلاف أجيالهم ومساراتهم.

إذا كانت فعالية الأعمال الإبداعية تُقاس من خلال أثرها في الضمير الفردي والجماعي، فإنّ الكتّاب الفلسطينيين كانوا ولا يزالون يقومون بدور طلائعي في تفكيك الصور النمطية، وتقريب القرّاء العرب والأجانب من نبض القلب الفلسطيني. ولعلنا اليوم أيضاً في أمسّ الحاجة إلى التعريف بأعمال ومساهمات الكتّاب العرب اليهود الذين دافعوا عن حقوق الشعب الفلسطيني وجسّدوا مكانة الثقافة اليهودية في المجتمعات العربية، ومنهم إدمون عمران المالح في المغرب.

ربّما يحتاج الأدباء إلى بعض الوقت لاستيعاب أبعاد الحرب على غزّة ومعالجاتها في إطار أدبي، فنحن اليوم أمام مأساة تاريخية جسيمة تجعلنا نُسائل إمكانياتنا اللغوية والإبداعية، وندرك محدودية تقنيات السرد والوصف والتحليل. كيف نكتب بعد كلّ أشكال العنف والوحشية التي شهدناها؟ هذا سؤال جوهري ينبغي التمعّن فيه.

الكتّاب الفلسطينيون كانوا ولا يزالون يقومون بدور طلائعي

■ لو قُيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- أعتقد أنّ كلّ مجال له أهمّيته الخاصّة ودوره المنوط به. لقد اخترتُ منذ سنوات أن أشتغل في مجال الدراسات الأدبية إيماناً منّي بضرورة الدفاع عن مكانة الأدب، وتسليط الضوء على أبعاده التاريخية والسياسية والاجتماعية، وإبراز منظومة القيم والأفكار التي يحملها في طياته. أحاول جادّاً أن أوازن بين التدريس والبحث الجامعي والعمل النقدي والإبداع والترجمة، فكلُّ هذه الأنشطة متكاملة إلى حدٍّ بعيد، والمثقّف مطالبٌ اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى بتوسيع دائرة اهتماماته ومساهماته، والعمل على مخاطبة شرائح أكبر من المجتمع.

إنّ القضية الفلسطينية في حاجة ماسّة إلى مضاعفة الجهود للتعريف بأسُسها وتاريخها وأدواتها الثقافية، خاصّة تجاه الأجيال العربية الصاعدة. يتعلّق الأمر هنا بمسألة تربوية قبل كلّ شيء، وكلُّ إهمال أو إخفاق في هذا المجال سوف تكون له عواقب وخيمة، بما في ذلك على المستوى السياسي.


■ ما التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- لا يمكن للمرء أن ينتظر شيئاً آخر في الظرفية الراهنة سوى وقف حمّام الدم، ونهاية الحرب على غزّة، والشروع في إعادة البناء، وعودة اللاجئين إلى ديارهم، والمهجَّرين إلى ذويهم، والأطفال إلى مدارسهم. ما من شكّ في أنّ جروح الحرب وآثارها العميقة لن تختفي بين عشية وضحاها، لكن الفلسطينيّين عوّدونا دوماً على تجاوز الآلام، والانتصار للأمل، والصمود حتى في أصعب الأوقات.


■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟

- نحن اليوم في أمس الحاجة إلى إدوارد سعيد، وغسّان كنفاني، وجبرا إبراهيم جبرا، وفدوى طوقان، ومحمود درويش، وأقلام أخرى يفتقدها المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي بشكل عام. ربما أختار أن ألتقي بغسان كنفاني وأن أجالسه، ولو لبضع دقائق، للحديث عن راهن الأدب ومستقبله، في ظلّ العدوان المستمرّ على الأرض الفلسطينية وشعبها.
كلّما فكّرتُ في غزّة وفلسطين، تبادرت إلى ذهني أعمال كنفاني وقدرته الفريدة على تطويق المأساة ومجابهة الأزمات، من خلال تحويلها إلى مواقف معبّرة وأسئلة عميقة تهزّ القارئ وتُجبره على التفكير في القضية الفلسطينية من زوايا متعدّدة ما زالت مطروحة إلى اليوم.

نحن أمام مأساة تجعلنا نُسائل إمكانياتنا اللغوية والإبداعية

■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟

- أعتقد أنّ الأهمّ الآن هو الإنصات إلى غزّة وأهلها. كلُّ صورة، كلّ صرخة، كلّ كلمة تصلنا من غزّة هي بمثابة دعوة إلى مساءلة الذات والوقوف على دروس هذه المأساة. إنّ الناس في غزّة هم من يخاطبون العالم ويضعونه كل يوم أمام سؤال القيم الإنسانية والأخلاقية. 


■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- يتبادر إلى ذهني بيت محمود درويش: "سقط القناع عن القناع"، ومقولة إدوارد سعيد: "إنّ اليأس أمام الوحشية والظلم استسلام، وهو في نظري أمر غير أخلاقي".


■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- أنت يا دارين زهرة من أزهار غزّة الأبية. رأيتك تكتبين رسالة إلى أفراد عائلتك تحت التراب، وكأنّك تكتبينها إلى العالم بأسره. استوقفتني كلماتك: "هم بيسمعوا وعارفين شو بكتب إلهم". يا عزيزتي دارين، لقد وصلنا نحن أيضاً صدى كلماتك، وأغرقتنا حرقة دموعك. أقول لك: "استمرّي في الكتابة ولا تتخلّي عنها أبداً، فسنبذل قصار جهدنا ليقرأ العالم رسائلك ورسائل شعبك رغم الحصار والدمار". ولأطفال فلسطين أقول: "أنتم وجهُ فلسطين القادم المشرق، ومنكم نتعلّم ونستشعر نبض الأرض والقضية".



بطاقة

كاتب وناقد مغربي، من مواليد الرباط عام 1986، حاصل على دكتوراه في الأدب الفرنكوفوني من "جامعة أكسفورد" ببريطانيا، يدرّس الأدب المغاربي في "جامعة شيكاغو" بالولايات المتحدة. صدرت له روايتان بالفرنسية: "رواية أجنبية" (2017) و"استحضار نصب تذكاري في البندقية" (2023)، كما أشرف مع جين هيدلستون على كتاب جماعي بالإنكليزية عن المفكّر المغربي عبد الكبير الخطيبي (2020). ترجم إلى العربية "كيف نسكن العالم: رسالة في سياسة العلاقات" (2022) للمفكّر السنغالي فالوين صار.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون