مع غزّة: باسمة التكروري

13 ابريل 2024
باسمة التكروري
+ الخط -
اظهر الملخص
- باسمة التكروري تشارك تجربتها في ظل العدوان على غزة، مؤكدة على أهمية العمل الإبداعي والثقافي كأدوات للنضال والصمود، وضرورة تسجيل الرواية الفلسطينية لحمايتها من التحريف.
- تعبر عن إعجابها بغسان كنفاني وتؤكد على الحاجة للوعي والتضامن لمواجهة العدوان، مشددة على قوة الكلمة والفعل النضالي في الصمود والمقاومة.
- تختتم برسالة حب وتضامن مع أطفال فلسطين، مؤكدة على أهمية الدعم الإنساني وقوة الحب في مواجهة الظروف الصعبة.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "أن نسجّل روايتنا كما ينبغي لها أن تسجَّل"، تقول الشاعرة والكاتبة الفلسطينية باسمة التكروري في لقائها مع "العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- ما يمكن فعله أخلاقيًا كإنسان قبل كوني فلسطينية أو كاتبة. كيف يمكنني، لا النجاة فحسب، بل وأن أدفع بكل ما يمكن دفعه لجعل الصرخة أوضح وأعلى. كيف أضيفُ حصّتي من الضجيج، وهو أضعف الإيمان. ربما يكون هاجسي الوحيد في هذا العدوان هو عيون أطفال تحمل ألمًا ينغرس بلحمك فيما تنظر إليهم عاجزًا ومثخنًا بمشاعرك، حانقًا على حنقك، كارهًا لحياتك العادية، فيما هم هناك يدفعون عنك وعن تاريخك وقضيتك ثمنًا أكبر من أن يسدّه عمرك، بل أعمارنا كلها. 


■ كيف أثّر العدوان على حياتكِ اليومية والإبداعية؟

- لعلّي لا أفي هذا الأثر أيّ حق إن قلت إنه غيّرني للأبد. زرع ندوباً وإصابات نفسية عن بعد. كأنما كلّ جرح، كلّ صرخة ألم، كلّ وجع، كلّ فقد، كلّ فجع، كان يحدث في روحي في الوقت ذاته. هي الأشهر الستّة الأصعب، ولا أعرف كيف أصف حالة "الخرس الإبداعي" التي جاءت نتيجة الصدمة في البداية، لكنني وجدت طريقي نحو صوتي من جديد، رغم كلّ شيء. اخترت أن أكتب، لا كي أنجو، بل كي لا يأتي جيل بعدنا ولا يعرف بكل تفصيلة من هذا التاريخ الذي يرتكبه مرتزقة الاحتلال المختلّون. لا ينبغي أن تترك الرواية لـ المحو والتحريف، علينا أن نسجّل الرواية كما ينبغي لها أن تسجَّل، بكلّ قطرة دم وكل جرح.

يدفعون في غزة ثمناً أكبر من أن تسدّه أعمارنا كلها

■ إلى أيّ درجة تشعرين أنّ العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- سيحتاج العمل الإبداعي إلى الكثير من الوعي ليخرج من طائلة ردة فعل الصدمة النفسية والعاطفية، وينبغي التعامل معه كسلاح لا كردة فعل. ينبغي أن يعرف العامل في الإبداع والخلق كيف يدرّب حرفته ويشحذها، وأن ينفصل عنها ويشتغل بها، لا كمرآة بل كطريق. حين نضع البوصلة أمامنا، وهي دورنا ومسؤوليتنا الأخلاقية، يصبح العمل الإبداعي في أحوال كهذه أقوى سلاح، وإلا لما شهدنا اغتيال كاتب مثل غسان كنفاني ولا غيره من المثقفين الذين اختاروا الاشتباك بسلاح كلمتهم وفعلهم. 


■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- العمل النضالي والإنساني هما جزء من تكوينك وحياتك كفلسطيني ولد وعاش تحت الاحتلال في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة. اخترت العمل في الثقافة والفن من البداية كأدوات نضالية وكأدوات للصمود ولرفع الوعي. لا أجدُ انفصالاً بين دور المبدع والإنسان. لن أغير شيئاً لو قيض لي البدء من جديد، سوى أنني سأعمل أكثر، فلا نجاة لنا بلا نضال. 


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- أؤمن أنّ خلاص هذا العالم يعتمد على خلاصنا الفردي. أعمل على تخليص روحي بالزهد، وبالتعلم ما استطعت، وبنقل صرخة الحق ووجعه كي يحصل التغيير. لا تعلّق لي بهذا العالم ولا أعول على "عصا سحرية" تغيّره، لكني أؤمن أننا موجودون في صورتنا الحالية لفترة مؤقتة، وعلينا أن نفعل ما بوسعنا لنترك أثراً. العالم يتغيّر بطرقه الخاصة، لكن الكلمة تبقى. أؤمن بقوة الكلمة ولو بعد مئة عام، لهذا اخترتُ الكتابة وأختارها كلّ مرة. 


■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟ 

- دون شك غسان كنفاني. يمثل غسان كنفاني كل ما تريد وتحب في شخصية المثقف. القوّة، التصميم، الصوت الواضح، النقد المكثف، المقاومة والأدب. لا أعرف ما سأقوله له، لا شيء يقال من واقعنا الآن سيشبه آماله وأحلامه بانتزاع الحرية عبر النضال. هذه هي الشخصية التي أرغب بلقاءها ربّما لأتأثر بها وأتعلّم منها ولأشحذ عزيمتي منها. 


■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟

- كل كلامنا مبتذل. أمام ما يحدث في غزة، لا يمكننا سوى أن نكتفي بالصمت والبكاء في حضرة الفجيعة. 


■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- الإنسان العربي، رغم مشاعره الصادقة، إلا أن وعيه استنزف استراتيجياً، خاصة في دول الطوق تحديداً، مما جهز الواقع لما يحدث الآن من عدوان. إفقار الشعوب العربية واستنزافها في الحروب الداخلية والكيّ المستمر لوعيها، باستثناء بعض التظاهرات هنا وهناك، جعلها مخدّرة ومقيّدة.


■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟

- نحبّك يا دارين، ونحبُّ أصدقاءك وشعرك وابتسامتك. نحبّك ونودّ لو نحضنكم جميعاً. ستكبرين وتشفى جراحك، ربما لن تختفي تلك الندوب لكنها ستظل تذكرة لنا ولكل إنسان، أن العالم صمت حين أعجزك الوجع. 



بطاقة 

باسمة التكروري شاعرة وكاتبة فلسطينية، من مواليد القدس عام 1982. صدر لها "مقعد الغائبة" (رواية، 2001)، "يوميات تحت الاحتلال" (يوميات، 2002 )، "عبور شائك" (رواية، 2009)، صدرت الطبعة الثانية من روايتها "عبور شائك" عن منشورات مرفأ في بيروت منذ أيام على أن توقعها ضمن فعاليات "معرض الكتاب العربي الكندي" الذي ينطلق اليوم. تُرجمت مختارات من قصائدها إلى الفرنسية، والسويدية، والإنكليزية والكورية، كما نقل كتابها "يوميات تحت الاحتلال" إلى الفرنسية عام 2009 وصدر في باريس عن منشورات Editions transit.

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون