استمع إلى الملخص
- تؤكد على دور الإبداع في تغيير السرديات المضللة وتسليط الضوء على إنسانية الضحايا، معتبرة الكتابة وسيلة لتذكير العالم بأن الضحايا لهم أسماء وقصص وأحلام، وتعتبرها قوة في مواجهة الظلم.
- في ختامها، توجه رسائل مؤثرة إلى أهل غزة والإنسان العربي، مشددة على أهمية رفع قيمة الإنسان والكرامة الإنسانية، وتعبر عن تعاطفها مع الأطفال الفلسطينيين، متمنية لهم الأمان والسلام في مستقبل خالٍ من الحروب.
تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "علينا سردُ حكايات الضحايا والإضاءة على إنسانيتهم في عالَم يُريد أن يُظهرهم كبشر أقلّ قيمة"، تقول الكاتبة الأردنية.
■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزة؟
- لا شيء يشغلني هذه الأيام، ومنذ تسعة شهور، سوى غزّة، أدور في فلكها، وأعتقد أنّني كبرت سنواتٍ في الشهور الأخيرة. القلق يلازمني في النهار والأرق يحتلّني ليلاً. أنا أدرك أنّ معاناتي لا تقارَن بمن هُم على الأرض، لكن سياط العجز تنهش الروح وعذاب الضمير لا مهرب منه.
■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
- مررت بمراحل متعدّدة منذ بداية حرب الإبادة وحتى اليوم، مرحلة العزيمة القويّة والدفاع بالكلمة عبر المقالات أو منصّة "ْإكس" (تويتر سابقاً)، وهي المنصة التي كان لها أثرٌ في تغيير السرديّة لصالح الفلسطينيّين، ثم مررت بمرحلة "لا شيء يفيد" فاعتزلت وابتعدت، وبدأت بكتابة رواية عن غزّة، بعد استشهاد الصحافية الصديقة علا عطا الله، التي تعرّفت إليها قبل سنة من استشهادها عبر المنصّة نفسها. في تلك الفترة، كنتُ أعيش وحدي، وكانت حياتي تدور حول غزّة وما يجري فيها، ممّا جعلني أمرُّ بحالةٍ نفسيّة آثرتُ فيها التوقّف عن الكتابة والابتعاد لفترة، وهكذا ما زلت أتأرجح بين القوّة والعزيمة والعجز واليأس، ففقدتُ السكينة حالي حال كلّ مواطن عربي متألّم.
■ إلى أي درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
- للعمل الإبداعي دورٌ في تغيير سردية المحتلّ. لكن في المعركة الأخيرة، للأعمال الإبداعية دور إضافيٌّ هو سرد حكايا الضحايا، تسليط الضوء على إنسانيتهم في عالم يُريد أن ينزع عنهم صفات البشر ويُظهرهم ككائنات أقلّ. الأعمال الإبداعية يجب أن تُذكّر العالَم بالشهداء، بأسمائهم، وإنجازاتهم، وأحلامهم التي حرمهم الاحتلال من تحقيقها. الشهداء ليسوا أرقاماً، وهذا ما يجب على الأعمال الإبداعية التركيز عليه، على الأقلّ لنحفر قصصهم وأسماءهم في ذاكرتنا ونحميهم من النسيان.
الكلمة اليوم لأهل غزّة، هُم من يقول ويفعل ويُعلّم
■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
- أنا بعيدة عن السياسة، وهذا البعد نابعٌ من معرفةٍ لا جهل، لأنّني أفهمها جيّداً أبتعد عنها. لقد قرّرت الاهتمام بالشقّ الحقوقي والاجتماعي والإنساني، فالسياسة تحتاج للمراوغة ولصفات لا أمتلكها، أؤمن بأنّ التغيير يأتي من القاعدة، من المجتمع، ثمّ يطاول المستويات الأُخرى من مسؤولين وسياسيّين. التوعية هدفي والتغيير حلمي ولهذا أكتب.
■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
- هناك تغييرٌ أرجوه في وطني، وفي الوطن الأكبر (الوطن العربي)، وهو أن يسود العدل وتعمّ المساواة. أتمنّى بلاداً لا ظلم فيها، ولا استبداد دينيّاً أو سياسيّاً. أتمنّى أن ننعم بالحرية ولا يُعاقَب مواطن بسبب فكرة مختلفة. وللمرأة؛ وهي الهمّ الأكبر، أتمنّى أن تحظى بحقوق طال انتظارها. أمّا على الصعيد العالمي، فالحربُ الأخيرة أظهرت لنا تحكُّم الصهيونية في السياسة الدولية والإعلام العالمي. العالَم كلّه اليوم يجب أن يتحرّر، والأمل بالجيل الجديد الذي يخرج كلّ يوم في ساحات الجامعات العريقة ليطالب بالتحرّر من النزعة الاستعمارية المسيطرة.
■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟
- غسّان كنفاني، أعتبره أيقونة النضال بالكلمة، غسّان لم يطلق رصاصة واحدة لكنه كان ندّاً، ودفع حياته ثمناً لذلك. كتب عن القضية الفلسطينية وجذورها، وكان له نشاط سياسي، لكن نشاطه الفكري والثقافي كان أكبر، واستطاع أن يخلّد اسمه كرائد للأدب الفلسطيني المقاوم. بالإضافة إلى غسان كنفاني، أنا عاشقة لإبراهيم طوقان منذ طفولتي، لقد أحببت الشعرَ بسبب قصائده الوطنية، وقد أحببته أكثر عندما قرأت السيرة الذاتية لأخته الشاعرة فدوى طوقان، والتي أثنت على دوره في تعليمها في أجواء قامعة للمرأة.
لقد غادرَ غسّان كنفاني وإبراهيم طوقان الحياة في عمر الشباب. الأوّل قتلَه الاحتلال، والثاني قتلَه المرض، وربّما يكون المرض ناتجاً عن القهر والتهجير الذي تسبّب فيه الاستعمار أيضاً. لغسان وإبراهيم أقول: لقد عشتما عمراً قصيراً، لكنّكما عشتما الدهر كلّه.
يجب تحرير العالم كلّه، والأملُ في الجيل الجديد
■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟
- لقد غيّرتم العالم بصبركم وصمودكم. أكتفي بهذا الجواب لأنّني أشعر بالخجل من أن أقول شيئاً لأهل غزّة. الكلمة اليوم لأهل غزّة، هُم من يقولون ويفعلون ويعلّمون العالَم الطريق إلى الحرية.
■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
- العالَم لا يرانا بشراً متكافئين في القيمة. الطفل العربي لا يساوي الطفل الغربي، علينا أن نرفع قيمة الإنسان في بلادنا، ربّما علينا التوقف عن الفخر بأعدادنا ونركّز على رفع قيمة الفرد. كتبتُ تغريدة عبر منصّة "إكس" بمثابة رسالة للعرب في كلّ مكان: "لننشغل بإعِمار أنفسنا، فنأكل ممّا نزرع، ونلبس ممّا نصنع، لنهتمّ بالنوعية والقيمة حتى نؤثّر. علينا أن نكون ندّاً بإنجازاتنا".
■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟
- والله هذا السؤال أبكاني، أتمنّى يا دارين لو أستطيع أن أغمرك في حضني أنتِ وكلّ أطفال غزّة. أتمنّى أن يمنحني الله شرف أن ألقاك في يوم من الأيام، وأن أستطيع تعويضك عن فقدان الأمّ ولو ليوم واحد.
أتذكّر تغريدة الشهيدة الأديبة هبة أبو الندى: "نحن في الأعلى نبني مدينة ثانية، أطبّاء بلا مرضى ولا دماء، أساتذة بلا ازدحام وصراخ على الطلبة، عائلات جديدة بلا آلام ولا حزن، وصحافيون يصوّرون الجنة، وشعراء يكتبون في الحب الأبدي، كلّهم من غزّة، كلّهم، في الجنّة توجد غزّة جديدة بلا حصار تتشكّل الآن"، وعائلتك معهم يا دارين.
بطاقة
كاتبةٌ أردنية وناشطة في مجال حقوق المرأة، مِن مواليد عمّان عام 1975. شاركت في تأسيس "ملتقى المرأة العربية" عام 2014، وهو مجلّة أدبية إلكترونية تهدف إلى تشجيع النساء على القراءة والكتابة. صدرت لها مجموعة قصصية بعنوان "حكايا النساء" (2017)، ورواية بعنوان "من قاع البئر" (2023)، ولها روايةٌ غير منشورة بعنوان "وفي العمر بقية". نشرت العديد من المقالات في تمكين المرأة في صحف ومواقع عربية مختلفة.