"معرض الكتاب".. على هامش عمّان ومواقيتها

30 سبتمبر 2023
من المعرض
+ الخط -

في زيارة أُولى إلى "معرض عمّان الدولي للكتاب"، مساء السبت الماضي، كان علينا أن نركن السيارة على بعد مئات الأمتار من البوابة لعدم وجود مكان خال في الساحة الكبيرة المخصّصة لاصطفاف السيارات، وأن أسير مع رفيق رحلتي بين الجموع التي توافدت في مشهد يتكرّر كلّ عام، رغم الشكوى الدائمة من ارتفاع أثمان الكتب.

أعداد الزوّار لم تنخفض كثيراً، كما سجّلتُها في زيارة ثانية عصر الثلاثاء، وإن بعدت عليهم المسافة عقب عودة "معرض عمّان" إلى موقعه السابق على طريق المطار، قياساً بمكان انعقاده العام الماضي داخل العاصمة، ما استدعى تعليقاً لأحد الناشرين الأردنيين بأن تغيير الموقع لا يؤثّر مطلقاً على أعداد روّاده، لكنه استدرك بأن معدّل مبيعات الكتب ثابت أيضاً، غامزاً إلى قلّة العائدات المالية لدور النشر المشاركة.

ملاحظة ربما يتشارك فيها متابعون كثر للمعرض الذي انطلقت دورته الثانية والعشرون الخميس، الحادي والعشرين من الشهر الجاري وتختتم اليوم السبت، تتمثّل في أنّ موعد تنظيمه لا يناسب معظم شرائح المجتمع التي يتزايد إنفاقها في أيلول/ سبتمر مع بداية العام الدراسي، وأن بقية أشهر السنة قد تكون أفضل حالاً من هذا الشهر.

إعادة النظر في ميقات المعرض لا يشغل بال المنظمين الذين يواجهون عادةً انتقادات أقسى تتعلّق بإجراءات التنظيم نفسه، بالنظر إلى الاحتجاج من قبل دور النشر على الإرباكات التي يسبّبها عدم توفير كلّ الإمكانيات اللازمة لتثبيت أجنحتها من رفوف وملصقات بأسمائها وغيرها من مسلتزمات لا تتوفّر لها جميعاً حتى الليلة التي تسبق الافتتاح، كما حدث في هذه الدورة، وأحياناً لا يكتمل التنظيم إلا بعد يومين أو ثلاثة من انطلاق المعرض.

النقاش حول التنظيم لا يحتاج إلى اختراع العجلة من جديد، حيث تشرف على معارض الكتب العربية هيئات تتبع الحكومات، التي تمتلك موظفين متخصّصين في جميع المجالات التنظيمية والإدارية والمالية، أو يُصار إلى تكليف شركات خاصة لتنظيم هذه المعارض في بعض الدول، بينما يصّر "اتحاد الناشرين الأردنيين" على تسيير أمور كلّ دوره بكوادره القليلة وبخبرات يغلب عليها الارتجال.

احتجاجٌ دائم من قبل دُور النشر على الإرباكات التنظيمية

الحديث المكرور عن علّة تنظيم المعرض لا يجد آذاناً صاغية، مع إعفاء الدولة من مسؤوليتها عن تنظيم أكبر فعالية مختصة بالكتاب بالبلاد، بدءاً من حفل الافتتاح الذي لا يعكس أية رسالة لدى الاتحاد، أو وزارة الثقافة من ورائه، في ما يخصّ التعريف بالثقافة الأردنية ومكانتها ورموزها، ومروراً بالبرنامج الثقافي الذي يعتمد آلية توزيع أنشطته على أكبر عدد من الكتّاب والمثقفين من باب الترضية، مع الإشارة إلى تطويره في الدورة الحالية؛ سواء من حيث القضايا المطروحة أو المتحدثين، لكنه يظلّ انعكاساً لجهد فردي للجنة التي وضعته، ولا يمكن الرهان على بقائها في العام المقبل، ووصولاً إلى تأمين دعم للناشرين من خلال اقتناء المؤسسات الحكومية، وفي مقدّمتها الجامعات، لإصداراتهم، علماً بأنّ العديد من هذه المؤسسات تُهدر أموالاً في إيفاد لجان لشراء كتب من المعارض العربية.

يبدو هذا العام خير مثال للتدليل على هذه العلّة، فتكفي الإشارة إلى انتخاب هيئة إدارية لاتحاد الناشرين، الجمعية الأهلية الوحيدة في العالم العربي التي تنظّم معرض كتاب، في آذار/ مارس الماضي، لتستقيل الهيئة في نيسان/ إبريل؛ بعد أقل من شهرين على انتخابها بدلاً من أن تكمل دورتها لثلاث سنوات، بسبب "عدم الانسجام بين الأعضاء"، بحسب تصريح رئيس الهيئة المستقيل لوسائل إعلام محلية.

في تمّوز/ يوليو الماضي، قبل شهرين من انعقاد المعرض، أُعيد انتخاب رئيس اتحاد الناشرين جبر أبو فارس، الذي أقرّ قبل أيام في تصريحات صحافية بأن التنظيم أتى "مربكاً بعض الشيء"، معلّلاً ذلك بازدحام الأجندة بمواعيد لمعارض عربية تقام في الفترة نفسها، في تجاهل تامٍ بأن الهيئة الإدارية للناشرين المكلفة بالتنظيم، قامت بالإعداد خلال شهرين فقط.

أبو فارس نفسه يشير إلى أنّ عدم وجود أرض للمعارض في الأردن، على غرار الدول العربية، يمثّل مشكلة ملحّة تهدّد إقامة معرض الكتاب كل عام، يضاف إليها ارتفاع كلفة النشر، ما يعني غلاء أسعار الكتب، وكذلك تراجع الاهتمام الرسمي، إلا أنه يقترح حلّاً غير عملي بتشكيل لجنة عليا مشتركة للمعرض تضمّ وزارتي السياحة والنقل والتربية والتعليم، وأمانة عمّان الكبرى، والجمارك وهيئة الإعلام (الجهة الرقابية!)، في تهرّب من مواجهة حقيقة واحدة تخلّص المعرض من مشاكل تنظيمه المتكرّرة، وهي أن تؤسس هيئة حكومية أو بالشركة مع مؤسسات خاصة لإدارة شؤون المعرض كافةً. حقيقة تعني أن الاتحاد غير قادر على الاستمرار بهذا الدور وعليه المشاركة وفق قدراته وإمكانياته المتواضعة في هيئة قد تشكّل مستقبلاً.

لا يسجل "اتحاد الناشرين" تحفّظاً على حالات المنع المتكرّرة

حقيقة مزعجة للعديد من الأطراف المسؤولة، وفي صدارتها وزارة الثقافة التي تدعم "معرض عمّان" بعشرة آلاف دينار فقط سنوياً، بينما تمنح جهات أخرى تقوم بأنشطة أقلّ أهمية أضعاف هذا المبلغ، وتخوّل الوزارة لنفسها - بغض النظر عن الوزراء المتعاقبين عليها - التدخّل في تفاصيل دقيقة، مثل إعداد البرنامج الثقافي أو دعوة الضيوف أو حتى تحديد المكافآت التي تُصرف لصحافيّين أو مشاركين في التنظيم.

أمّا الشريك الآخر في دعم المعرض ممثلّاً بأمانة عمّان، فهي تكتفي بتثبيت إعلانات طرقية أقل ما يمكن وصفها بأنها توضع في أماكن لا يراها العمّانيون، كون المساحات الأبرز في العاصمة مؤجّرة لشركات الإعلان، وتنظيم أنشطة للأطفال لا تستقطب إلا عائلات قليلة، وتعزف في المقابل عن شراء عناوين من الناشرين الأردنيين والعرب لرفد مكتباتها التي تصل إلى حوالي ستّين مكتبة.

لا جديد في هذه الدورة عن سابقاتها، إلا المنع الذي يغيب ويحضر كل عام في حالات طريفة! إذ أعلن الروائي والشاعر إبراهيم نصر الله على صفحته في فيسبوك، الثلاثاء، عن منع الرقابة تداول أعماله الشعرية الكاملة في المعرض، رغم أن الأعمال بمجلّداتها الثلاثة، "التي صدرت العام الماضي، تمّ الاحتفاء بصدورها في حفل توقيع أقيم في عمّان وتوزيعها في 'معرض عمّان للكتاب' عام 2022"..

بعد أربعة وعشرين ساعة، عاد نصر الله ليكتب أن ناشره (الدار العربية للعلوم - ناشرون) أعلمه بإعادة النظر في قرار المنع بعد أن طلب منها موظّف لم يفصح عن هويته بأن عليه عدم عرض الكتاب في الأيام الأولى من المعرض، وأن الكتاب أعيد عرضه في المعرض، لكن رئيس "الناشرين" أصدر بياناً نفى فيه حصول الواقعة أساساً، ليردّ نصر الله في حديث إلى "العربي الجديد" بأن الرئيس تعامل في البيان المذكور بوصفه يمثّل "هيئة الإعلام"؛ الجهة الرقابية، التي بدورها أوضحت أن الكتاب أُعيد للعرض بمنتهى "الصفاء والوضوح"، وعليه فإنه يفكّر باتخاذ تدابير قضائية ضدّ "اتحاد الناشرين" التي يندرج ردّها في خانة "تبييض صفحته" بألّا منع يحدث في ظلّ وجوده في منصبه دون أن يكلّف نفسه عناء سؤال الدار عن تفاصيل ما حدث. وتجدر الإشارة إلى حوادث منع سابقة لعناوين بعينها كان يعاد عرضها في دورات لاحقة وبالعكس.

المعرض هو المعرض. قد يبقى في موقعه الحالي وقد يُجبر على الانتقال منه إلى موقع آخر، وتمضي أيامه العشرة، دون إجراء أية مراجعات لتنظيمه أو لواقع سوق الكتاب، الذي يشير رئيس اتحاد الناشرين نفسه إلى عدم امتلاكه أرقاماً دقيقة حول التوزيع، لكنه يقّر أن هناك تراجعاً في معدلاته قياساً بالعام الماضي، لكنه يفضل عدم الإدلاء بتصريح رسمي حول ذلك.

 
المساهمون