محمود ممداني.. صنع الأقليات في سياق استعماري

26 يناير 2023
مايكل أرميتاج/ كينيا
+ الخط -

يهتمّ أستاذ الأنثروبولوجيا والعلوم السياسية، الباحث الأوغندي محمود ممداني، بتاريخ الحرب الأهلية والإبادة الجماعية في أفريقيا، عبر تحليله طبيعة الدولة الاستعمارية في القارة السمراء، والتي ركّزت في حُكمها المباشر على إقصاء السكّان الأصليين، وسلب حريتهم، وتكريس السلطة القبَلية من خلال ما سُمّي بـ"الاستبداد اللامركزي".

في كتابه "لا مستوطن ولا مواطن: صنع أقليات دائمة وتفكيكها" الذي صدرت طبعته الأولى عن "منشورات بلكناب" عام 2020، يستقصي الباحث الحداثة السياسية، بشكليها الاستعماري وما بعد الاستعماري. إنه بحث في جذور العنف المُفرِط الذي ابتُليت به المجتمعات ما بعد الاستعمارية.

صدرت حديثاً النسخة العربية من الكتاب عن "الشبكة العربية للأبحاث والنشر"، في بيروت، بترجمة الباحث السوري عبيدة عامر، وفيها يُجادل بأن بناء الدولة الاستعمارية والدولة القومية تمّ بشكل متبادَل من خلال تسييس أغلبية دينية أو عرقية، من العالم الجديد وصولاً إلى جنوب أفريقيا.

يجادل الكتاب بأن بناء الدولة الاستعمارية والدولة القومية تمّ من خلال تسييس أغلبية دينية أو عرقية

ويفصّل ممداني حالات متعدّدة منها الإبادة الجماعية والاعتقالات، من أجل استيعاب أن الحُكم الاستعماري غير المباشر هو حلّ دولتين، وأن أصل حلّ الدولتين هو المحميات الهنديّة التي ابتُكرت في أميركا الشماليّة. ويُلاحق أثر أصل حلّ الدولتين من الولايات المتّحدة إلى جنوب أفريقيا، مرورا بألمانيا النازيّة وما بعد النازيّة، وصولاً إلى فلسطين. ويُظهر أيضاً أنه يتعين على المهتمّين ببدائل لحلّ الدولتين تأمُّل الصراع المناهض للتفرقة العنصريّة في جنوب أفريقيا، بالرغم من أوجُه قصوره العديدة.

ويسعى الكتاب إلى فهم الاستعمار على أنه صناعةٌ لأقليات دائمة وعلى أنه محاولة للحفاظ عليها من خلال تسييس الهوية، ما يؤدّي إلى العنف السياسي، وأحياناً إلى العنف المفرط. أما الجانب الآخر وهو التحرّر من الاستعمار فإنه تفكيك ديمومة هذه الهويات. 

غلاف الكتاب

ويبيّن الفضل الأول تشكيل الجماعة السياسية الأميركية ضمن تطوُّرين اثنين؛ كان الأول هو اجتماع المستوطنين معاً من أوروبا وأفريقيا؛ وكان الثاني هو التصنيف القانوني للهنود على أنهم أجانب بلا حقوق، على الرغم من إقامتهم في الأراضي الأميركية.

ويبرز الفصل الثاني كيف خلّد الحُلفاء تشكيل الدولة - الأمة من خلال تجريم النازية، بدلاً من النظر إليها كحالة لسياسات ذات بُعد قومي، بينما يعاين الفصل الثالث كيف استُخدمت المنهجيات السابقة نفسها في جنوب أفريقيا، فالمستعمِرون الأوروبيون ناضلوا لقمع التمرُّدات، لكنهم في النهاية دمجوا الأوطان وسلطة السكان الأصليين والقانون العرفي والرقابة، فكان أول الأوطان في جنوب أفريقيا يسمى "المَحميّات". 

يتناول الفصل الرابع حالة السودان حيث ميّز الاستعمار البريطاني المستوطِن عن الأصلي، ووصفوا العرب بحسب الإثنوغرافيا المضمنة في الحداثة الاستعمارية بأنهم مستوطنون ذوو حضارة، والأفريقيين بأنهم أصليون بلا حضارة. 

في الفصل الخامس، يناقش ممداني كيف استقى اليهود "الإسرائيليون" الإلهام من النموذج الأميركي بتعريف وحكم الهنود؛ حيث تعتبر "إسرائيل" العضوية الأكثرية القومية هي المفتاح للمواطنة الكاملة، لا الميلاد ولا الإقامة بالأرض المشتركة. بينما يقارن الفصل السادس بين النماذج الجنائية والسياسية للفهم والاستجابة للعنف المُفرِط، مقارناً وعد النموذج السياسي لكسر دوائر العنف المرتبطة بالانتماءات السياسية.

المساهمون