رحل أمس السبت القاص المصري محمد حافظ رجب (1935 – 2021) الذي لطالما أشار بعض الكتّاب إلى خصوصية تجربته السردية ضمن جيله الذي بدأ النشر في الستينيات، وإلى تهميش النقّاد لما قدّمه من قصص تستشرف مستقبل التكنولوجيا وتحمل عمقاً فلسفياً، والإشارة أيضاً إلى قدومه في سن مبكرة إلى القاهرة ثم عودته بعد فترة قصيرة إلى مسقط رأسه في الإسكندرية، ليختاز عزلته الأبدية.
بدت كمفارقة تلك الأوصاف المتأخرة التي أغدقتها عليه الصحافة منذ يوم أمس، واستذكار المؤسسة الرسمية لموقعه المهمّ في خارطة القصة القصيرة المصرية والإشارة إلى ترشيحه لنيل جائزة الدولة التقديرية قبل شهر فقط من رحيله، رغم التجاهل شبه التام له باستثناء تنظيم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية مؤتمراً بعنوان "محمد حافظ رجب.. رائد التجديد في القصة العربية" عام 2012.
ولد الراحل في الإسكندرية وامتهن عدّة مهن في صغره ليكسب قوت يومه ومنها بائع محمصات في محطّات المدينة، ثم انتقل في التاسعة عشر من عمره إلى القاهرة حيث عمِل في "المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب"، وبدأ نشر قصصه التي لفتت الانتباه لرشاقة أسلوبه وقصر جمله وتقديمها مشهدية سينمائية، إلى جانب توظيفه للعديد من الأفكار الفلسفية حول الكون والإنسان ومصيرهما.
أصدر عام 1968 مجموعته الأولى بعنوان "غرباء" التي اعتبرت تجاوزاً لأنماط الكتابة السائدة
أصدر عام 1968 مجموعته الأولى بعنوان "غرباء" التي اعتبرت تجاوزاً لأنماط الكتابة السائدة، آنذاك، والتي سعى فيها إلى تعرية بؤس والواقع واهترائه، من خلال كشف ما وراء الصورة أو الحقيقة التي لا يلتفت إليها الناس عادة، لكنه قدّم ذلك كلّه من دون إسقاطات مباشرة.
وأسس رجب "رابطة أدباء القطر المصري" مع المصور زكريا محمد عيسى قبل إنشاء "إتحاد كتاب مصر"، إلا أنه قرّر اعتزال الوسط الثقافي في السابعة والعشرين من عمره، مفضلاً الكتابة وبيع السجائر في "فانجلي" الذي نقل عوالمها في مجموعته القصصية "مخلوقات براد الشاي المغلي" (1979).
في تلك العوالم الغرائبية السوريالية، نسج معظم نصوصه التي تمزج بين الواقعية السحرية والرمزية مع نزوح نحو تقديم مشاهد وأحداث صادمة للمتلقي، وتحتوي براعة في تصوير تلك الصراعات النفسية والاضطرابات الذهنية التي يعيشها الإنسان في زمن الحداثة.
أصدر رجب العديد من المجموعات القصصية، ومنها "الكرة ورأس الرجل" (1968)، و"حماصة وقهقهات الحمير الذكية" (1992)، و"اشتعال رأس الميت" (1992)، و"طارق ليل الظلمات" (1995)، و"رقصات مرحة لبغال البلدية" (1999)، و"عشق كوب عصير الجوافة" (2003)، كما صدرت أعماله القصصية الكاملة عن "دار العين" سنة 2011.