لعقود، ظلّ كتاب "خلاصة تاريخ تونس" لحسن حسني عبد الوهاب المرجع الأساسي لمن يريد أن يُمسك بمشهد التحوّلات التاريخية التي عرفتها البلاد، على الرغم من النزعة الاختزالية التي غلبت على الكتاب. كان الكتاب قد صدر أوّل مرة في 1918، ثم عرف تطويرات كبرى، خصوصاً مع تبنّي دولة الاستقلال لروايته عن تاريخ تونس.
لم ينافس أي كتابٌ حول تاريخ تونس موقع "الخلاصة" حتى بداية ثمانينيات القرن الماضي، حين أصدر المؤرّخ محمد الهادي الشريف (1932 - 2021) كتاب "تاريخ تونس" (1980)، بالفرنسية أولاً، قبل تعريبه تحت عنوان: "ماذا يجب أن تعرف عن تاريخ تونس: من عصور ما قبل التاريخ إلى الاستقلال" (ترجمة: محمّد الشاوش ومحمّد عجينة، 1982). بسرعة، أصبح العملُ المرجعَ الأول لتاريخ تونس، على اعتبار أن المسافة الزمنية مع كتاب عبد الوهاب باتت تخلق قطيعة مع القارئ الجديد الذي يحتاج إلى مادة أوفى.
أمس، رحل المؤرخ التونسي عن عالمنا. كان إنجاز كتاب "تاريخ تونس" ينبئ بإنتاج واسع، غير أن الشريف انشغل بالتدريس وتأطير والوظائف الإدارية الجامعية على حساب التأليف، فلم يُصدر الكثير.
تخرّج الشريف من المدرسة الصادقية في تونس العاصمة، ثم انتقل إلى فرنسا حيث حصل سنة 1958 على شهادة الدراسات العليا في التاريخ المعاصر، بأطروحة بعنوان "تنظيم الحماية في تونس بعد المقيم العام بول كمبون". وعند عودته إلى تونس، أعد أطروحة دكتوراه الدولة في التاريخ الحديث حول "السلطة والمجتمع بتونس في عهد حسين بن علي (1705-1740)"، وهو عمل صدر في كتاب لاحقاً.
شارك الشريف في عدد من المؤلفات الجماعية أبرزها "تاريخ أفريقيا العام" وهو مشروع أطلقته منظمة اليونسكو في تسعينيات القرن الماضي. كما أشرف على كتاب جماعي بعنوان "الفرد والسلطة في بلدان المتوسط الإسلامية" (2009). وقد صدرت دراسات كثيرة مهداة إليه من قبل الباحثين الذين أطّر أطروحاتهم، من ذلك كتاب "مسارات مؤرّخ" في 2008 تحت إشراف عبد الحميد هنية، و"الشمال الغربي التونسي: ذاكرة منطقة. بحوث مهداة إلى محمد هادي الشريف" تحت إشراف إبراهيم سعداوي.