محمد الأسعد.. في تفكيك السرديات الصهيونية

04 سبتمبر 2021
عمل لـ تيسير البطنيجي
+ الخط -

يواصل الشاعر والناقد الفلسطيني محمد الأسعد (1944) مشروعه في تفكيك الأساطير المؤسّسة للاحتلال الإسرائيلي، متّكئاً في مقالاته ودراساته التي قدّمها خلال أكثر من نصف قرن، على اطّلاع معمّق في حقول معرفية متعدّدة، من التاريخ وعلم الآثار والعلوم الاجتماعية، وعلى رؤية واضحة تتحرّر من وعي الهزيمة بوصفها طريقاً وحيدة للمقاومة الثقافية.

في كتابه "الفلسطيني يتلو فاتحة القرن الجديد: قراءات في الماضي/ الحاضر"، الذي صدر حديثاً عن "دار خطوط وظلال"، يشير الأسعد إلى "عجز الصهيونية عن كتابة وقائع بطولة، فتلجأ إلى التخيّل"، وتصنع "مسعدة" (أسطورة قلعة ماسادا اليهودية) خاصة بها"، مبيناً أن "محتلّي القلعة من الطائفة اليهودية قضوا على أنفسهم بأيديهم خشية العقاب الروماني المعروف سلفاً، لأنهم يعرفون جيداً أن ذبحَ حاميةٍ رومانية استسلمتْ جزاؤُه الموت...".

ويرى المؤلّف أن هذه المحاولات في تخيّل نموذج استشهادي في الثقافة الصهيونية اصطدمت بنموذج استشهادي أعلى، ظهر في إطاره التاريخي وعلى أرضه؛ يقصد الفلسطيني الذي يمثّل ملايين العرب، في تضادّ مع الصورة الكاريكاتورية لـ"البطل" الصهيوني الذي يقذف القنابل في فلسطين لينتقم لحبيبته التي ماتت في غيتو وارسو.

وحول صورة العربي في الرواية الإسرائيلية، يتوقّف الأسعد عند نشر رواية "الطريق إلى عين حارود" لعاموس كينان في مجلّة "الكرمل" عام 1984 وقدّم للترجمة العربية الشاعر سميح القاسم، لافتاً إلى أن أهميتها تكمن في إضاءة الجانب الغامض من الفكر الصهيوني في الثمانينيات وبعد اندحار جيش الاحتلال في لبنان، وجملة التطوّرات الديمغرافية والسياسية والثقافية في فلسطين.

اخترع الاحتلال بطولات متوهّمة تحجب واقعه الاستعماري

يشير الأسعد إلى الالتباسات التي تضمنّتها مقدّمة القاسم حول أن كينان "ديمقراطي" و"ليبرالي" يقف مع حقوق الفلسطينيين، بينما يصّر في روايته على قطع صِلة بطلها محمود بفلسطين وتقديمه كعربيّ طارئ عليها، حيث يعلّق على حادثة قتله: "إنها ليست حربه... لقد مات في حرب يصعب القول إنها حربه، وليس من شيء أشدّ قسوة وعبثية من قتل إنسان في حرب لا تمتّ إليه بصلة". ولم يلاحظ القاسم، كما يقول الأسعد، اختراع الكاتب لأماكن وكهوف لجماعات يهودية بما يناقض الأركيولوجيا، واسترجاعه قصصاً من التوراة كذلك.

"الفلسطيني يتلو فاتحة القرن الجديد"

ويعتقد صاحب كتاب "مستشرقون فى علم الأثار: كيف قرأوا الألواح وكتبوا التاريخ" أن الأزمة في الوعي الصهيوني انطلقت منذ إقامة التجمّع الاستعماري، والذي يمكن تلخيصه بأسئلة الفيلسوف النمساوي مارتن بوبر إلى بن غوريون حول معنى وجود أرضٍ لليهود والتي لم يجد الأخير لها جواباً، ويقيت تطرحه اتجاهات احتجاجية قلقة ضدّ الحروب باهظة التكاليف لهذا التجمّع، وضدّ إراقة مزيد من دماء المستعمَرين، كما تُبرزه تعبيرات العديد من الأكاديميين والمثقّفين الصهاينة الذين لا ينفكّون يتساءلون عن عجز الأيديولوجيا في أن تتحوّل إلى وطن، وهي سائرة إلى نهاياتها.

ويقرأ الأسعد أعمال كتّاب مثل ديفيد غروسمان ويهوذا عميخاي وداليا رابيكوفيتش وعاموس عوز وغيرهم، في سياق الأحداث التي تُثبت فشل الاحتلال الذي يتواجه دوماً مع حقيقة حاول إنكارها خلال ثلاثة وسبعين عاماً، وتتمثّل في أن المشكلة في "الديمغرافيا" وليست الأرض، والتي تُبنى عليها مستويات متعدّدة من المعنى؛ معنى لا يزال متوَهّماً وغائماً وغير متحقّق في الرواية الصهيونية.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون