فَور إعلان "الأمم المتحدة" قرار تقسيم فلسطين رقم (181)، في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، بدأت العصابات الصهيونية تنفيذ سلسلة مجازر بحقّ الشعب الفلسطيني، وذلك قبل دخول الجيوش العربية بعد أكثر من ستّة أشهر؛ في الخامس عشر من أيار/ مايو 1948.
قامت هذه العصابات بعشرات المجازر خلال هذه الفترة، بهدف بثّ الرُّعب لدى الفلسطينيّين وإجبارهم على إخلاء منازلهم وأراضيهم لتهجيرهم عنها، كما حدث في العبّاسية، والخصّاص، وباب العامود، والشيخ بريك، وبلد الشيخ، والسرايا القديمة في يافا وحيفا، ويازور وطيرة طولكرم، وسعسع، والحسينية، والرملة، ودير ياسين، وقالونيا، واللجون وغيرها.
وضمن سجلّ الإجرام والإرهاب الذي يمتدّ منذ ما قبل النكبة وحتى اليوم، وقعت "مجزرة بناية السلام" في مدينة القدس المحتلّة، في مثل هذا اليوم، العشرين من شباط/ فبراير عام 1948، على يد منظّمة "شتيرن"، واستشهد خلالها أربعة عشر فلسطينياً وأُصيب ستّة وعشرون آخرون.
المجزرة ارتكبتها "شتيرن"؛ منظّمة "لحمي حيروت إسرائيل" أو (المحاربون من أجل حرّية إسرائيل)، وتعرف اختصاراً بـ"ليحي"، أو "شتيرن" نسبة إلى مؤسّسها أبراهام شتيرن الذي أنشأها عام 1940، بعد انشقاقه عن عصابة "الأرغون"، وانتهجت السرّية في عملها، وهي مسؤولة عن تنفيذ العديد من المذابح بالإضافة إلى عمليّاتها ضدّ الاستعمار البريطاني.
ارتكبتها عصابة "شتيرن"، واستشهد خلالها أربعة عشر فلسطينياً وأُصيب ستّة وعشرون آخرون
في القدس حيث نفّذت "شتيرن" أكثر من اعتداء، قامت بسرقة سيارة جيش بريطانية، ومَلْئها بالمتفجّرات حيث وضعتها أمام "بناية السلام" في شمال شرق مدينة القدس، وحدثت هذه المجرزة بعد ستّة أيام فقط من "مجزرة بلدة سعسع" (شمال شرق مدينة صفد)، حيث شنّت قوّة من كتيبة "البالماخ" الثالثة التابعة لـ"الهاغاناه"، هجوماً دمّرت خلاله عشرين منزلاً فوق رؤوس أصحابها، وكانت حصيلة المجزرة استشهاد حوالي ستّين فلسطينيّاً معظمهم من النساء والأطفال.
وتُعتبر "مجزرة دير ياسين"، التي استهدفت القرية الواقعة غربي القدس المحتلّة، في التاسع من نيسان/ أبريل 1948، أبشع المجازر التي نفذتها منظّمة "شتيرن" الإجرامية، وكانت بالتعاون مع نظيرتها "الأرغون"، واستشهد فيها ما بين 250 و300 فلسطينيّ، حيث شارك فيها إسحاق شامير؛ الرجل الثاني في "شتيرن"، والذي أصبح رئيس وزراء الكيان الصهيوني بعد ذلك.
وفي أيار/ مايو 1948 انضمّت "شتيرن" إلى ما عُرف بـ"الجيش الإسرائيلي"، ولكنّ جناحها العامل في القدس الذي أطلق على نفسه اسم "جبهة الوطن"، نسّق مع العصابات الأُخرى لاغتيال أوّل وسيط لـ"الأمم المتّحدة"، الكونت برنادوت في السابع عشر من أيلول/ سبتمبر 1948، قبل أن تحلّ العصابة نفسها ويتوزّع مجرموها على الأحزاب الصهيونية، لكنّ ماضيها الإرهابي لا يزال يُحتفَى به من خلال متحف "ليحي" أو بيت "يائير"، الذي يروي سيرة حياة مؤسّسها.