قادماً من باريس، تعرّف الفنان التشكيلي الإيراني مانوشير يكتاي (1921 – 2019) في نيويورك في نهاية أربعينيات القرن الماضي على المدرسة التعبيرية التجريدية التي سعى أصحابها إلى تصوير انفعالات الإنسان الداخلية، وتلك المساحات اللاواعية بين الحلم والواقع، في تجاوز لمحاكاة الطبيعة؛ المفهوم الذي تأسّس عليه الفن التشكيلي.
وأقام معرضه الفردي عام 1949 الذي ضمّ رسوماته للحياة الساكنة والمناظر الطبيعية قبل أن يتجه إلى التجريد في مرحلة لاحقة، ليكون من أوائل الفنانين الإيرانيين الذين عرضوا نتاجاتهم التي تنتمي إلى تيارات ما بعد الحداثة في الغرب، وبموازاة ذلك كتَب نصوصه الشعرية التي نهل فيها من رؤية صوفية عرفانية.
حتى الثالث من أيلول/ سبتمبر، يتواصل في "نادي الفنون" بلندن معرض يكتاي الذي افتتح في الأول من الشهر الجاري، ويركّز على الفترة الممتدّة بين عامي 1960 و1963 حيث برز فيها أسلوبه الاستثنائي بعد انتقاله إلى نيويورك.
تتسم أعماله المعروضة بنزعة رومانسية بالإضافة إلى مزجه بين التشخيص والتجريد، بحيث تبقى عناصر تصويرية موجودة في لوحته ويمكن فكّ رموزها، متأثّراً بتقاليد الرسم التمثيلي التي تميزت بها مدرسة باريس رغم توجّه العديد من رموزها إلى شكلّ من التعبيرية التجريدية في ما بعد.
ظلّت تجربة يكتاي مهمّشة إلى حد ما، رغم أنه عرض أعماله المبكرة في عدد من المتاحف الأميركية خلال عقدي الخمسينيات والستينيات، لكن الاهتمام النقدي انحصر بالفنانين البيض الرجال من أمثال جاكسون بولوك ومارك روثكو وفيليب غوستون، قبل أن يوسّع مؤرخو الفن نطاق دراساتهم لاحقاً، ويسلطوا الضوء على فنانين ينتمون إلى أعراق أخرى، وكذلك على تجارب الفنانات التجريديات.
بدت طريقة التلوين التي اتبعها الفنان الإيراني مختلفة، بما يمنح لوحته سمات نحتية وإحساساً بعفوية التكوين، إذ لم يقتصر عمله على استخدام فرشاة الرسم بل وظّف أدوات أخرى مثل الملاعق والسكاكين والحبال وحتى أصابعه، وكان يضغط الطلاء مباشرة من الأنبوب على سطح اللوحة لتحقيق تأثير مغاير.
ألوان مشرقة في معظم أعمال يكتاي التي أصبح فيها الطلاء أقل وأرق بعد الثمانينيات، وتكوينات حسّية ضمن تشكيلاته التجريدية تستمّد عناصرها من الطبيعة الساكنة وأواني المطبخ والزهور، ورسومات تشبه النحت، تمثّل أبرز أركان تجربته التي امتدّت لأكثر من سبعة عقود.