اهتمّ المفكّر الألماني ماكس فيبر (1864 – 1920) بدراسة الفعل الاجتماعي من خلال فهم السلوكيات الفردية والجمعية وما تشكّله من قيَم وثقافة عند تحليله الظاهرة الاقتصادية، حيث ركّز على سِمات الطبقة البرجوازية في أوروبا وصِلتها الوثيقة بتنظيم العمل وأنماط الانتاج الرأسمالي.
وانطلق في بحثه من اعتبار الفرد كائناً نشيطاً وواعياً بكّل أفعاله وأنشطته بمعزل عن مجتمعه، خلافاً لهيغل وماركس وغيرهما من الفلاسفة الذين غلّبوا الفكر الجماعي، وكان ذلك مدخله في مقاربة العلاقة بين الدولة والسياسة باعتبارها مفهوماً للسيطرة والإخضاع، والرأسمالية والدين.
يتناول الكتاب علاقة الرأسمالية الحديثة بالسياسة، القانون، الثقافة، والدين
عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدرت حديثاً النسخة العربية من كتاب "مقالات في علم الاجتماع الاقتصادي" لماكس فيبر، بترجمة ابتسام خضرا، وهو كتاب جمع فيه ريتشارد سويدبرغ مقالاتٍ وضعها عالم الاجتماع الألماني وصدر بالإنكليزية عام 1999.
يشير تقديم الكتاب إلى أن كتابات ماكس فيبر تحتوي على إحدى أكثر المحاولات تطوّراً وجاذبية لإنتاج علم اجتماع اقتصادي. وقد اختار عالم الاجتماع الاقتصادي ريتشارد سويدبرغ، الأهم من كتاباته الكثيرة، وجعلها متاحة أول مرة في كتاب واحد، فانتظمت مختارات كتابه حول الموضوعات التالية: الرأسمالية الحديثة وعلاقاتها بالسياسة، القانون، الثقافة، والدين، مع قسم مخصّص للأوجه النظرية لعلم الاجتماع الاقتصادي.
وتوضّح المقدّمة أنه بالرغم من أن أعمال فيبر كُتبت قبل نحو قرن من اليوم، فإنها تحمل خاصية الأصالة الكلاسيكية، وسيجد القارئ فيها أفكاراً اقتصادية عدّة لا تزال تنطبق على عالمنا الراهن، منها مناقشته ما نسمّيه اليوم "رأس المال الاجتماعي"، وتحليله المؤسّسات المطلوبة لتأمين حُسن سَيْر الاقتصاد الرأسمالي، ومحاولته الأكثر عمومية لإدخال البنية الاجتماعية في التحليل الاقتصادي.
يبيّن الكتاب أن ما حفّز فيبر على بحثه في علم الاجتماع الاقتصادي هو الإنجاز الذي يتشارك فيه اليوم اقتصاديون وعلماء اجتماع كثر: يجب أن يتضمّن تحليل الظاهرة الاقتصادية فهماً للبعد الاجتماعي. وبفضل المنهجية التي اتبعها سويدبرغ، محرّر الكتاب، يكتشف قارئ هذه المختارات الأهمّية والصِلة الدائمة لمساهمة فيبر في علم الاجتماع الاقتصادي.
يتمّ تمثيل آراء فيبر الموضوعية حول علم الاجتماع الاقتصادي في هذا الكتاب من خلال مقتطفات مهمّة من أعمال مثل "تاريخ الاقتصاد العام" و"الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية"، التي تضيء محاولاته في بناء أساس مفاهيمي لعلم الاجتماع الاقتصادي، كما يتضمّن الكتاب محاضرته الافتتاحية في فرايبورغ عام 1896، إلى جانب مع عدد من الكتابات المركزية.
يناقش القسم الأول، "الرأسمالية الحديثة"، مسائل تتعلّق بدور السلطة في ضبط الأسواق، والأسرة بوصفها أقدم وحدة تدعم نشاطاً تجارياً مستمرّاً في كلّ مكان. بينما يتناول القسم الثاني، "الرأسمالية والقانون والسياسة"، نظرية الهيمنة عند فيبر، والبيروقراطية كضرورة في الدولة الحديثة، ويقدّم القسم الثالث، "الرأسمالية والثقافة والدين"، أفكاراً تتّصل بتأثير تصوّرات الدين على الاقتصاد، فيما يحلّل القسم الرابع، "الجوانب النظرية لعلم الاجتماع الاقتصادي"، بعض أبسط العلاقات الاجتماعية في المجال الاقتصادي.