"ماريا لويسا" لخوان مايورغا: مسرح الحاجة إلى الحلم

20 مايو 2023
+ الخط -

ماريا لويسا سيّدةٌ عجوزٌ تعيشُ بمفردها، مستقلّةً وتستمتع بالحياة. محادَثةٌ عابرة مع بوّاب المبنى الذي تعيش فيه ستكون الدافع وراء سلسلة من المَشاهد التي ستُتيح لنا، بفكاهة وحنانٍ ونبرة مُحبَّبة، اكتشاف عالَم هذه السيّدة الفضوليّة عن قرب: بيتُها، ورحلاتُها في جميع أرجاء المدينة عبر وسائل النقل العام، والتسكّع خارج باب قاعة الرقص، والمحادثات الهاتفية مع صديقتها أنجلين.

على مدى ساعة ونصف، يعرض علينا المخرجُ والكاتبُ المسرحي الإسباني خوان مايورغا (1965)، على خشبة "مسرح آباديا" في العاصمة الإسبانية، مدريد، عمله المسرحي "ماريا لويسا"؛ وهو أوّل عرضٍ له بعد أن تولّى إدارة المسرح الفنّية.

تبدأ قصّة العرض، الذي تُختتم عروضه غداً، من أمرٍّ عادي: راؤول، بوّاب المبنى، ينصح ماريا بوضع أكثر من اسمٍ واحدٍ على صندوق بريدها، لتضليل اللصوص. لكنّ الأسماء التي قرّرت ماريا تحديدها أخيراً (بينيتو بيكنباور، وإيمرسون أزوباردي، ولاحقاً أولميدو) ليست بريئةً، ولم يجرِ اختيارها عشوائياً، لأنَّ الكلمات لها ثقلٌ ووزن، وهي رموز، ولها بُعد الأحلام، لها بعدُ الحبِّ الذي يصرخ من أجل مكانٍ في الحياة، ذلك أنّ الحبّ والكلمات يتشاركان الرغبة ذاتها: الخروج من الذات، وخلق وهمٍ مفاده أنَّ العالَم لا يُنسى.

يقترح كاتب المسرحية لعبة مرايا، سائراً على نهج ثيربانتس

لا يمكن التعامل مع مسرحية الكاتب الإسباني على أنَّها عملٌ يتحدّث عن حياة سيّدة عجوز فحسب؛ كلا، فهي ليست عملاً يتحدّث عن الشيخوخة، بل إنّها، أوّلاً، وقبل كلِّ شيء، تتحدّث عن الحاجة إلى الحُلم، أو بالأحرى عن الحاجة إلى أن يرافقنا الحُلم في خطواتنا وحياتنا. ضمن هذا المعنى، فإنّ شخصية العمل الرئيسية، ماريا لويسا، ستواصل البحث عن تألّق أوهامها وأحلامها.

ولن تكون وحيدة في ذلك، فشخصيات العمل الأُخرى مثل صديقتها أنجلين، والبوّاب راؤول وغيرهم، سيكتشفون أنّهم كائنات ضائعة في ظلّ الظروف الرمادية اليومية، لكنّهم، مع ذلك، سيحافظون على الفكرة القائلة بأنّه على الجانب الآخر من منازلهم، ومحادثاتهم، وخط الهاتف، والتقاعد، أو العمل، ستظلُّ الأحلامُ الحقيقةَ الوحيدة التي لا يُمكن التخلّي عنها، وبذلك سيخالف مخرج العمل مقولة صديقه وأستاذه المسرحي الإسباني الآخر جارديل بونشيلا (1901 - 1952): "تتحقّق في حياة الإنسان أحلام قليلة فقط، ومعظم الأحلام تتحقّق، ولكن ونحن نشخر".

يقترح مايورغا في مسرحيته لعبة مرايا، لعبة واقع وخيال، سائراً في ذلك على نهج كلٍّ من ثيربانتس وبورخيس وبيسوا. فإذا كان هذا الأخير قد خلق الشعراء الذين حلِمَ أن يكون واحداً منهم، فإنَّ ماريا لويسا تخلق من بيكنباور، وأزوباردي، وأولميدو، العشّاق الذين تحلم أن تعيش معهم، سيكونون هناك، معها في الغرفة، يتحدّثون معها، يغوونها، يجادلون في عاطفتها، أو يسافرون في مترو الأنفاق ويذهبون إلى قاعة الرقص معها، كأنّهم مثلنا أشباح تطوف في هذا العالم. 

المساهمون