برزت محاولات جديّة لقراءة العلاقة بين العمارة والأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم مصر منذ مطلع القرن التاسع عشر. ربما شغل الموضوع المؤرخين والباحثين الغربيين بدايةً قبل أن يتحوّل إلى إشكالية تهمّ العديد من الكتّاب المصريّين أيضاً، في محاولة لفهم علاقة السلطة بالمجتمع من خلال منظور عمراني.
ضمن هذه المحاولات المستمرة، أصدر أستاذ العلوم السياسية والباحث المصري مأمون فندي منذ أشهر كتابه "العمران والسياسة: منظور عمراني لتفسير التخلف"، والذي يقدّم قراءة لهذه العلاقة خلال الفترة الممتدّة من النصف الأخير من القرن العشرين وصولاً إلى بداية القرن الحالي.
وعند السادسة من مساء السبت المقبل، يستضيف "بيت المعمار المصري" في القاهرة مؤلّف الكتاب في حلقة نقاشية يديرها الباحث والأكاديمي إبراهيم مدني، لإضاءة مشهد تؤثّر فيه عوامل متعددة تشمل العمارة والجغرافيا والسياسة والأنثروبولوجيا، بالإضافة إلى تداخل الديني والمقدَّس الرمزي بالسياسي والاجتماعي.
لا تغيب العديد من المرجعيات عن رؤية فندي، حيث تحضر أفكار ابن خلدون حول نشوء الحضارة والتخطيط الحضري القائم على احتياجات الناس ومصالحهم، كما تستأنس بأفكار حسن فتحي حول البيئة والمعمار، مع إضافة تفسيرات جديدة تهدف إلى فهم تركيبة المجتمع المصري المعاصر وعلاقته بالدولة الحديثة من منظور مقارن.
لا يقتصر الكتاب على العمارة القاهرية التي شكّلت أساس معظم الدراسات في هذا الحقل، إنما التفت إلى رؤية الأطراف المهمشة والمنسية للمركز والدولة، حيث يوظّف المؤلّف سيرته الذاتية بدءاً من قريته كوم الضبع في محافظة قنا بالصعيد الجواني، إلى أسيوط والقاهرة، ومنها إلى الولايات المتحدة التي أكمل فيها الدراسات العليا، وكذلك زياراته إلى أوروبا حيث لا يزال يقيم ويعمل في لندن.
يُبرز فندي التعدّد العمراني في مصر الذي انعكس في مجالات كثيرة، إذ أنّ التداخل بين المقدّس الديني والسياسي أنتج تقويماً ثلاثياً؛ فرعونياً وهجرياً وميلادياً، يكن تصنيف الأعياد والمناسبات والمواسم التي لا يزال يحتفل بها إلى اليوم وفق هذه التقويمات، كما يعكس اللباس تعدّدية الهوية المصرية حيث اللباس الصعيدي الفلاحي الجلباب والعمامة، بجانب الطربوش (العثماني) واللباس الإفرنجي لفئة الأفندية، في فترة سابقة من القرن الماضي، ثم تجاور الزي العصري المرتبط بالعمل الرسمي الحكومي مع الزي التقليدي الذي يُرتدى تداخل البيت.