منذ تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام الماضي والمهتمّون بالفلسفة العربية في باريس يجدون أمامهم موعداً أسبوعياً، يتمثّل في "خميس الفلسفة" الذي ينظّمه "معهد العالم العربي" بشكل أسبوعي، بالتعاون مع الباحث وأستاذ الفلسفة العربية في جامعة "باريس 1 بانتيون ــ سوربون"، جان باتيست برُنيه.
ضمن هذا السياق جاءت الحلقة التي عُقدت أمس، في مركز المعهد، تحت عنوان "التفكير بالطبيعة والعالم في الإسلام"، والتي تحدّثت فيها الباحثة الإيطالية، المختصّة بالفلسفة العربية والإسلامية، كريستين تشيرامي، بحضور برُنيه، الذي قدّم مداخلةً تمهيديةً سريعة حول الموضوع في بداية الجلسة.
لم تتوقّف تشيرامي، طيلة محاضرتها، عن خلخلة تصوّرات غربية خاطئة حول الفلسفة العربية، مذكّرةً الحاضرين بأننا أمام تُراثٍ أضاف على التقليد اليوناني وغيّر فيه، وليس فقط أمام "ترجمات" وتفسيرات؛ كما نبّهتهم بأن الحديث عن الفكر العربي القديم يعني الحديث عن فلسفات، بالجمع، آخذةً على هذا التعدُّد نظرة الفلاسفة العرب إلى مسألة الطبيعة والسببية، والتي لا يمكن اختصارها في مقولة أو مقولتين، حيث غالباً ما تحضر تنوّعاتٌ وتدرّجاتٌ داخل "المدرسة" الواحدة.
وبدأت الباحثة في "المركز الوطني للبحوث العلمية" في باريس بالتذكير بنقطتين أضافتهما الفلسفة العربية إلى الموروث اليوناني في سياق التفكير بالكون والطبيعة: أوّلهما أن فلاسفة عرباً، وخصوصاً من الفقهاء والمتكلّمين، بحثوا عن علاقةٍ سببية "أفقية"، غير تلك التي اعتقد بها أرسطو وتابعوه، والقائلة بتأثير الأجساد السماوية على الكائنات الأرضية؛ وثاني هذه النقاط يتمثّل في بحث الفلاسفة العرب في طبيعة العلاقة السببية بين فعل الكائن، الفرد، وبين الذات الإلهية بوصفها مبدأً للخلق والفعل.
وأعطت كريستين تشيرامي صورة عن النقاشات التي عرفتها الفلسفات العربية والإسلامية خلال العصر الوسيط حول القدَرية والجبرية، مبيّنة مختلف المواقف الأنطولوجية عند المعتزلة والأشاعرة، حيث تركّز الاختلاف ــ في سياق النقاش حول الطبيعة والسببية ــ على القول بوجود أو عدم وجود وسيطٍ بين السببية الإلهية وبين الأجسام المتأثّرة بها، وأنهت المحاضرة مداخلتها بالوقوف عند التيّار الآخر، الذي تسمّيه تيّار "الفلاسفة"، مثل ابن رشد والكندي، والذي فكّر بقضايا السببية على نحوٍ شبيه بالفكر الأرسطي، حيث تلعب الأجساد السماوية دوراً في التأثير على أفعال الكائنات الموجودة على سطح الأرض.