كاتب من العالم: مع بسنيك مصطفاي

12 أكتوبر 2020
(بسنيك مصطفاي)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع القارئ العربي. "أحاول أن أفهم من أين أتى الألبان بنزعة التدمير الذاتي"، يقول الكاتب الألباني لـ "العربي الجديد".


■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟

- أنتمي إلى ثقافة تتطلّع للخروج من العزلة الطويلة والرهيبة التي فرضتها عليها الشيوعية. هناك اليوم اندفاع بسبب هذه الرغبة في الانفتاح دون أخذ وقت للتفكير في ما يعنيه هذا المفهوم. بالتالي، يحدث هذا الانفتاح - في معظمه - بطريقة فوضوية وعلى حساب الهوية الوطنية.


■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد؟

- أقول لقرّائي المحتملين، الذين يأتون من آفاق ثقافية مختلفة عنّي، إنّ مؤلفاتي تُظهر أنّ المأساة الإنسانية - التي تنتجها السياسة اللاإنسانية - هي نفسها لدى شعب صغير أو كبير. الشعوب منسجمة مع بعضها البعض، ولديها قاسم مشترك هو المعاناة.


■ بأي كتاب لك تنصح قارئك أن يبدأ؟

- ربما "ملحمة صغيرة في السجن"، وهو في ترتيب صدور أعمالي الروائية ثالثها.

هل سأعيش بما يكفي لأنهي مشاريع الكتب التي حلمتُ بها؟

■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟

- توقظ العزلةُ - التي فرضتها الجائحة - عند شعب عرف الديكتاتورية مخاوف من الماضي، وهي مخاوف لا يمكن لمجتمع يمارس حرياته بشكل عاديّ أن يتخيّلها. أخشى ما أخشاه أن تثير هذه الوضعية لدى السياسيّين الذين يمارسون السلطة في مثل هذه السياقات - حتى أولئك المنتخبون ديمقراطياً - الرغبةَ كي يصبحوا ديكتاتوريّين.


■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما هو أكثر ما تتمنّى تغييره فيها؟

- مؤخّراً، قدّمت لناشري في تيرانا كتاباً جديداً فيه ثلاث "نوفيلات" (روايات قصيرة)، حاولتُ فيها أن أفهم من خلال التخييل من أين أتى الألبان بنزعة التدمير الذاتي. إذن، أودّ أن أغيّر ثقافة العنف هذه التي لها جذور في تراثنا.


■ لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

- نفس الطريق التي سلكتُه، دون تغيير الاتجاه. فقط، كنت سأعطي سنوات أقلّ للعمل السياسيّ ليكون لي وقت أكثر للعمل الإبداعي. في سنّ الثانية والستّين لديّ هاجس وحيد: هل سأعيش بما يكفي لكي أنهي مشاريع الكتب التي حلمتُ بها.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- نفس ما قلته آنفاً حول ثقافتي الألبانية: تقليل النزعة نحو العنف في الطبيعة البشرية.

أحاول أن أفهم من أين أتى الألبان بنزعة التدمير الذاتي

■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

- نيل أرمسترونغ الذي كان أوّل من وضع قدمه على القمر، وكانت له البديهة لقول عبارته التاريخية: "خطوة صغير بالنسبة إليّ، خطوة عملاقة بالنسبة إلى البشرية". 


■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟

- الخطر الأكبر على حرية الكاتب والكتابة هو نفسه في كل الأزمان: السلطة السياسية حين تكون بين أيدي أشخاص لا يفهمون الحكم إلا باعتباره سيطرة.


■ ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟

- الكتابة عمل فردانيّ في عمقه، يتمّ ضمن العزلة التامة. وباعتبارها كذلك لا يمكن أن تكون قضيّة في حدّ ذاتها. أنا ممّن يدافعون دوماً عن الحرية. الحرية السياسية لديها الكثير من أعداء الداخل، أكثر مما نظنّ. تلك هي الحقيقة الحزينة التي اكتشفتها حين دَخَلَت ألبانيا "عصر الحريات".


■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟

- صحيح أن المترجمين هم من يُضفون العالمية على أدب ما، لكن لا يمكنهم فعل شيء ما لم يكن ذلك الأدب حاملاً لروح العالمية. في تجربتي مع المترجمين، لم يحدث أن راجعتُ ما يقترحونه، وبالتالي لا يمكنني أن أعرف إلى أي درجة كتبني المترجمون. يقول المثل الإيطالي "الترجمة خيانة"، أتمنّى ألّا يكون مترجمو أعمالي قد خانوني كثيراً.


■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟

- لا أكتب إلّا باللغة الألبانية. لا أحبّ أن أكتب مُستخدماً الكلمات التي أعرفها، بل الكلمات التي أنا في حاجة إليها. ولا يوجد إلا اللغة الأم تعطينا هذه الحرية في التعبير.


■ كاتب منسي من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟

- ميتروش كوتيلي، هو كاتب كبير لم ينسه الألبان، ولكنه مجهول في الخارج.


■ لو بقي إنتاجك بعد ألف سنة، كيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟

- سيُسعدني كثيراً أن يتماهى قرّاء هذا المستقبل البعيد - ولو قليلاً - مع المشاعر التي تحرّك شخصيات أدبي من ألم وحُب. هذا يعني أنني أتحتُ الكلام لما هو خالد في روح الإنسان الألباني باعتباره كائناً بشرياً. 


■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟

- إنه لأمرٌ مُفرِحٌ بشكل خاص بالنسبة إليّ أن أرى أعمالي تنطق بلغة "ألف ليلة وليلة".


بطاقة

شاعر وروائي ألباني من مواليد 1958 في قرية تروبوجا بشمال ألبانيا، واتسمت تجربته بالمزاوجة الصعبة بين العمل الأدبي والنضال السياسي والعمل العام. تخرَّجَ مِن قسم اللغة الفرنسية وآدابها في جامعة تيرانا. اشتغل أوّلاً في التعليم ثم في صحيفة الحزب الشيوعي "صوت الشعب"، ثم مترجماً في "معهد الدراسات الماركسية اللينينية" (1983 - 1988)، لينتقل بعدها إلى اتحاد الكتّاب ويتولى رئاسة تحرير "الجريدة الأدبية".

كان من أوائل المنضمّين إلى الحراك الديمقراطي في 1990، ومن مؤسّسي "الحزب الديمقراطي" الذي دعا إلى تفكيك الحكم الشمولي. في 1991، أصبح عضواً في أوّل برلمان ديمقراطي في البلاد، وفي 1992 أصبح أوّل سفير لألبانيا الديمقراطية في باريس. وفي 2005، أصبح وزيراً للخارجية ليستقيل في 2007 من الحكومة و"الحزب الديمقراطي" احتجاجاً على ما آل إليه الحال مع رفاق الأمس.

أصدر أول مجموعة شعرية عام 1978 بعنوان "موتيفات فرحة"، ثم صدرت له مجموعات شعرية وروايات عدّة، من بينها "قصّة صغيرة" (1995)، وصولاً إلى رواية "حلم الدكتور" في 2017 التي سخر فيها من الطبقة السياسية الجديدة في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية. تُرجم عدد من أعماله إلى الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية واليونانية.

المساهمون