تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "وجد الكتّاب دائماً طريقةً للتغلّب على تهديدات الرقابة والحظر والتقييد، وسيجدون طرقاً أخرى"، يقول الكاتب التركي لـ"العربي الجديد".
■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
- ككاتبٍ، والأهمُّ من ذلك كقارئٍ، أحاولُ قدر المُستطاع أن أتابعَ الجديد من الأعمال الأدبية والفنية، كالكتب والترجمات التي تصدرُ حديثاً، والأفلام الجديدة أيضاً. لا أعرفُ كيف هو الحال في مناطق أخرى من العالَم، إلّا أن الأنشطة الثقافية والفنية ليست ضمن اهتمام جمهورٍ كبير في تركيا، ولكن، مع ذلك، هناك بيئةٌ ثقافية حيويّة في بلدنا.
■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟
- لا أستطيعُ أن أشرحَ نفسي، المهمُّ ما يقوله القُرَّاء، وليس أنا. ربّما تكون بعض كتبي غير مفهومة بشكلٍ كبير لبعض القُرَّاء الذين لم يتعوّدوا على أسلوبي. ولكن، إذا تحدثنا عن الكتب، من حيث الاحتمالات الأكثر وضوحاً، يمكن تفضيل مجموعتي القصصية "رحلاتٌ بلا عودة"، كبداية.
■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
- بالطبع، هناك أشياءٌ كثيرة، عندما أفكّر في الحياة اليومية، وفي ما يحدثُ ببلدنا. لكن ككاتب، هناك أسئلةٌ مجنونة في ذهني عن الرواية التي أكتبُها. الأسئلة التي أطرحها على نفسي وعلى أبطال رواياتي ونصوصي. من ناحية أخرى، هناك أسئلةٌ تنتظر دورها لتُكتب، وأسئلةٌ حول الموضوعات التي تنقرُ في رأسي.
بما أن الأدبَ فنٌّ مصنوعٌ من اللغة، فإنَّ أولويتي هي اللغة
■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما هو أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟
- سؤالٌ صعبٌ عليَّ، وخصوصاً أنه يبدأ بـ"أكثر". أعتقد أنني أحبُّ علاقات القرابة والانتماء الأُسري. أمّا الذي أتمنى تغييره فهو أشياء كثيرة، وأعتقد أنني لو كنتُ قادراً على ذلك، فسوف أغيِّر "الغباء السياسي" في المقام الأول.
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- أعتقد أنَّ الكتابة هي أفضلُ وظيفةٍ في العالم. إذا عدتُ إلى البداية، أودُّ أن أصبح كاتباً مرَّةً أخرى. ولكن، بوعيي الحالي. أودُّ أن أقرأ بشكلٍ انتقائي، بدلاً من قراءة كل ما يمكنني الحصول عليه.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- هناك الكثير مما يمكن قوله حول هذا الموضوع أيضاً، لكنني أودُّ، أولاً وقبل كل شيء، السّلام والحرية والقضاء على الطغاة والفقر. أريد العدالة والديمقراطية والقانون والرفاهية الاقتصادية لبلدي.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- أحبُّ أن ألتقي بماركيز. أحبُّ كلَّ كتاباته، وأقرأه بإعجابٍ شديد.
■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
- كانت تهديداتٌ مثل الرقابة والحظر والتقييد هي أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة، لكنّها موجودة في كلِّ فترةٍ، وستظل موجودةً في المستقبل. لكنَّ الفنانين وجدوا دائماً طريقةً للتغلّب على هذه التهديدات، وسيجدون طرقاً أخرى.
■ ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
- الكتابة مشكلة حلُّها الوحيد هو الكتابة. الفنُّ هو أن يُضيفَ الإنسان نفسه إلى الطبيعة. هذا ما أراه، وأشعرُ به، وهكذا أفكّرُ. لذلك أنتَ تصنعُ واقعكَ الخاص. عندما لا يكون العالَم الممنوح لنا كافياً، فإننا نضيف عالَمنا إليه، ونخلقُ واقِعنا الخاص، وقواعدنا الخاصّة. الكتابةُ هي طريقة حياة المؤلّف.
■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟
- أنا لا أعرفُ لغةً أجنبية. على الرغم من أنني درستُ لغة ثانية في المدرسة الثانوية حتى نهاية الجامعة، إلّا أنني، للأسف، لم أتمكّن من تعلُّمها. أحبُّ أن أقرأ عملاً أدبياً بلغته الخاصة، لكنني لا أريد أن أتجاوز حدِّي بقول كلمات كبيرة عن الترجمة. في الحقيقة، لا أقرأ كلَّ ترجمة، وأنتبه جيداً لاسم المترجم. أشاهد المترجمين الذين يبذلون كثيراً من الجهد في هذا الموضوع وأحاولُ متابعة أعمالهم.
■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟
- بما أن الأدبَ فنٌّ مصنوعٌ من اللغة، فإنَّ أولويتي هي اللغة. أنا أهتم بالجمل والأسلوب. أختارُ بعناية كلَّ كلمة وأقيسها وأزنها وأضعها في مكانها. أحاول في نصوصي الخاصة توسيع حضور اللغة التي كانت في أُذني منذ طفولتي، والتي منحتني الحياة، وشكَّلت ثقافتي، بدءاً من الكلمات والأقوال المحلية. أريد أن يرى القُرَّاء الشباب تفاصيل اللغة في نصوصي، وأبتعدُ عن الأعمال المكتوبة بلغةٍ جافّة.
ننظر إلى العالم من نوافذ مماثلة وأصواتنا تختلط من وقت لآخر
■ كاتب منسي من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟
- عصمت توكغوز، هو كاتبُ قصةٍ جيِّد للغاية. ورغم أنّه لم ينشرْ مجموعات قصصية جديدة، ولكن، في رأيي، لو كانت أعماله في المقدّمة، لربّما كان ذلك سبباً في أن يمسكَ قلمَهُ من جديد.
■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟
- أُحبُّ أن يُقال إنّه كاتبٌ صادقٌ وصاحب ضمير. تركَ أسلوبه الخاص في اللغة التركية، وإن كان ذلك بشكلٍ طفيف.
■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
- أحبُّ أن أقول للقُرَّاء العرب: أعتقد أننا ننظر إلى العالم من خلال نوافذ مماثلة، وأننا نرى أشياء متشابهة، وأن أصواتنا تختلط من وقت لآخر. سوف يدعمنا الأدب، ولدينا الكلمات من أجل ذلك.
بطاقة
Ethem Baran قاص وروائي تركي من مواليد عام 1962 في مدينة يوزغات بوسط تركيا. تخرج من جامعة أنقرة، كلية العلوم التربوية، وأكمل بعد ذلك دراسة الفنون الجميلة. بدأ حياته الأدبية بكتابة القصة القصيرة، ونشر منذ نهاية السبعينيات قصصه في العديد من المجلات الأدبية التركية، مثل مجلتي "حصار" و"فارليك". صدرت له أكثر من 15 مجموعة قصصية، من بينها: "ما بعد الانفصال" (1991)، و"موسم الورود المُجففة" (1994). نال جائزة "يونس نادي للقصة القصيرة" عن مجموعته "رحلات بلا عودة" (2005)، وجائزة "سعيد فائق للقصة القصيرة" عن مجموعته "الدنيا العوجاء" (2019/الغلاف). وله في الرواية: "نصف" (2008) و"دفتر ظلال الأمان" (2013).