كاتب من العالم: مع أحمد أوميت

12 نوفمبر 2020
(أحمد أوميت)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية، مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "الحل ليس الغضب على العالم، ولكن أن نكون أفضل مما نحن عليه الآن"، يقول الروائي التركي في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
- المشهد الأدبي التركي الآن له جذور قديمة للغاية. فأول كتابات أدبية لدينا كانت الكتابات الدينية ثم جاءت الملاحم والأساطير وما شابه. أما الرواية، فنحن كجزء من الأدب الشرقي، أخذنا الرواية من الغرب، ولكن قبل الرواية كان الفن لدينا متأثراً بالدين، مثل تجربة يونس إمره وبير سلطان أبدال وحاج بكتاش ولي. ولكن بعد انفتاح الأتراك على الأدب الغربي في عصر التنظيمات بدأ الاهتمام بالرواية، وخصوصاً في عصر الجمهورية الذي شهد تطوّراً كبيراً في الرواية التركية. وأحب أن أقول إننا يجب ألّا ننسى عندما نتحدّث عن الأدب التركي أن السياسية هي المصدر الأول دائماً للأدب. واليسار تحديداً هو صاحب التأثير الأكبر في الأدب التركي، فكل كُتّابنا الكبار من اليساريين. هناك بالتأكيد أسماء أدبية من اليمين لكنهم أقلية في المشهد الأدبي التركي. لا أعرف موقع الأدب التركي الآن في العالم العربي، إلا أن الغرب دائماً لديه حكم مسبق على أدب الشرق، ومنه الأدب التركي. الأدب التركي أدب غنيّ ومتنوّع ويضم عناصر وقوميات متعددة.


■ كيف تقدّم عملك لقارئ جديد، وبأي كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟
- أتصوّر أن الإنسان هو حيوان مَلول، وأن مصدر الفن هو هذا الملل. وأنا إنسان ملول جدّاً، وعندما بدأت الكتابة بدأت بالأدب البوليسي مباشرة لأنني أشعر بالملل. كنت شابّاً ثوريّاً من 1974 حتى 1990، وكانت تركيا تمرّ بأصعب الأوقات سياسيّاً. كنّا نرى الموت كل يوم في الصراعات مع الشرطة والفاشيين. هكذا مرّت أيام شبابي، ولذلك هربت من هذه الحياة إلى كتابة الأدب البوليسي. رغم أنني كنت أحتقر قديماً هذا النوع من الكتابة، لكنني بدأت القراءة أكثر في هذا النوع من الأدب حتى أدركت أهميته، وقلت لنفسي يجب أن أبدأ في كتابة الأدب البوليسي. وأنصح القارئ الجديد بأن يقرأ رواية "باب الأسرار" لأنه سيطلع على الثقافتين التركية والفارسية. ومن الممكن أيضاً أن يبدأ برواية "صروح إسطنبول" لأنها تتحدّث عن إسطنبول التي أعتبرها ميراثاً للبشرية وليس للأتراك فقط، مثل القاهرة وباريس، وغيرها من المدن صاحبة التاريخ العريق.  

ما زلتُ أؤمن بأننا نكتب من أجل تغيير أنفسنا والعالم

■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
- هناك الكثير من الأسئلة الكبيرة التي تدور في رأسي هذه الأيام. لقد بدأتُ حياتي كثوريّ في إحدى الحركات الماركسية، كما ذكرت. وكنت الابن السابع لعائلة كبيرة. وكنت متفائلاً جداً في تلك الأيام، حيث تصوّرت أن الشخص الذي يتلقى تعليماً جيداً لا يكون شخصاً سيئاً بعد ذلك. إلا أن كل أفكاري قد تغيّرت في السنوات الأخيرة، ليس على مستوى السياسي، فأنا يساري حتى الآن، ولكن في موضوع الإنسان فقد تغيرت أفكاري تماماً. إننا نصارع الآن فيروس كورونا، ولكن هناك فيروس أكثر خطراً، ألا وهو الإنسان. هو أخطر شيء على الأرض. انظروا مثلاً ماذا يفعل الإنسان بالطبيعة والحيوان. إن الذئب يأكل من فريسته حتى يشبع ثم يتركها، لكن الإنسان يقتل ويأكل ويضع الباقي في الثلاجة. هذا ما يشغلني هذه الأيام. غباء الإنسان. انظروا إلى رؤساء العالم الآن، كلهم أغبياء. أميركا يحكمها أحمق، وروسيا يحكمها شيطان. 


■ ما أكثر ما تحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها وما هو أكثر ما تتمنى تغييره فيها؟
- أكثر ما أحبه لدينا هو ثقافة التضامن، ولكن للأسف بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً. لقد وُلدت في مدينة غازي عنتاب، وهي مدينة متعددة الثقافات، كانت تتضمن أحياء للعرب وللكرد وللأرمن واليهود، وكانوا يعرفون طرق التعايش في ما بينهم. وأكثر ما أبغضه في ثقافتنا هو "ثقافة الإقطاع"، وثقافة "سيادة الرجل" المنتشرة في الأناضول، التي تتسبّب في قتل النساء. 


■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- بالتأكيد كنت سأختار نفس الطريق. لست نادماً على شيء. وإذا سُئلت عن حياتي الآن، سأقول إنني أعيش حياة رائعة. رأيت الكثير في حياتي. رأيت الموت ومات أقرب صديق لي على ذراعي، وعرفت الحب والخيانة. يمكنني أن أقول إنني عشت ستين عاماً وفوقها ستين عاماً. باختصار، كنت سأختار نفس المسار، ولكن كنت سأكون أكثر تعقلاً.

 
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أن تنتهي "الأحكام المُسبقة". مع الأسف، الإنسانية تعيش هذه المشكلة. مثلاً، في عام 1960 ذهب العديد من العمال الأتراك للعمل في ألمانيا. وكان الألمان يتهمون أولاد هؤلاء العمال بالغباء لأنهم لا يعرفون اللغة الألمانية وليس بإمكانهم أن يتعلموا لغتهم سريعاً. ونفس الأمر حدث من الأتراك تجاه أولاد الأكراد، كما يفعل الأتراك أيضاً في هذه السنوات مع أبناء السوريين. 


■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- وليم شكسبير، لأنه أكبر كاتب في العالم من وجهة نظري. الكُتّاب في رأيي مثل الحاسوب، يجمعون المعلومات ثم يستخدمونها. وشكسبير حاسوب بسعة كبيرة للغاية. وقد كتب عن العديد من الأشياء الكبيرة والصغيرة في الحياة، مستخدماً لغة ساحرة.  

الغرب لديه حكم مسبق على أدب الشرق، ومنه الأدب التركي


■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
- قبل كل شيء أن يغفل الكاتب التفاصيل الصغيرة التي تدور من حوله. وبالتأكيد هناك تهديد آخر من الخارج، ألا وهو تهديد الأنظمة الحاكمة التي تضع معايير لكل شيء. وفي بلدي يحدث هذا، لكنني أكتب حتى الآن.
 

■ ما هي قضيتك وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
- الكتابة إذا كانت من أجل قضية محدّدة تظل ناقصة دائماً. يجب أن يكتب الكاتب من أجل وجوده. مثلاً، أنا أكتب وكتبي تبيع بشكل كبير وأعيش من هذا. هل من الممكن أن يصبح هذا الأمر غاية في ذاته؟ بالتأكيد هو غاية للبعض، لكن الأمر مختلف بالنسبة لي. إننا نكتب من أجل تغيير أنفسنا والعالم.


■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أي درجة توافق على هذه المقولة وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟
- أوافق بالتأكيد على هذه المقولة. ولا أدري إلى أي درجة كتبني المترجمون. لقد تُرجمت أعمالي إلى أكثر من ثلاثين لغة، وعندما أذهب إلى تلك البلاد بعضهم يقول لي إن هذه الترجمة جيدة أم لا. 


■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب فيها؟
- لغتي هي الآلات الموسيقية التي أستخدمها. وفي نفس الوقت أعتبر لغتي مثل لعبة "البازل"، وأنا أعشق اللعب باللغة. فبعد أن أنتهي من كتابة فصل في الرواية أعيد قراءته من جديد وأغيّر كلمة هنا وأخرى هناك، ويستغرق هذا وقتاً أكثر من وقت كتابة هذا الفصل نفسه. اللغة في رأيي هي معيار ذكاء الكاتب.


■ كاتب منسي من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟
- مدحت أنتش. هو كاتب من غازي عنتاب وغير معروف. أتمنى أن يُعاد اكتشافه.
 

■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحب أن تكون صورتك عند قرّائك؟
- إنني رجل يحب الحياة، ولا يمكنني الكتابة دون الاختلاط بالناس. مثلاً، إذا كنت جالساً من أجل الكتابة واتصل بي صديق لكي نذهب لنشرب كأساً، سأترك الكتابة وأذهب معه لأنني واثق من أنني سأرى أشياء جديدة سوف أستخدمها في الكتابة. لا أدري إن كانت كتبي ستعيش أم لا، لأن بعض الكتّاب لا يُعرفون إلا بعد الموت وهناك كتّاب مشاهير في حياتهم ويُنسون بمجرّد رحيلهم. أتمنى فقط أن يقولوا عني: "كان رجلاً مخلصاً. كتب مثلما عاش وعاش مثلما كتب".


■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
- إخوتنا العرب يعيشون هموماً تشبه همومنا تقريباً. تبدأ مشكلتنا في رأيي من أن الحضارة كانت لدينا ثم انتقلت إلى الغرب. الأديان والحضارات ولدت في الشرق كما نعلم. إلا أننا نعيش في لحظات حرجة، لكن الحل ليس الغضب على العالم، ولكن أن نكون أفضل مما نحن عليه الآن. إن الغرب يرانا دائماً بعيني الإسلاموفوبيا والاستشراق، ويجب أن نغيّر هذا بالحضارة.


بطاقة
Ahmet Ümit أحد أبرز الكتاب الأتراك. ولد في مدينة غازي عنتاب عام 1960. تخرج من قسم الإدارة العامة بجامعة مرمرة. وكان ناشطا يساريا بارزا في الحزب الشيوعي التركي، واضطر لمغادرة تركيا عام 1985 بسبب نشاطه السياسي متوجها إلى موسكو. وحصلت روايته الأولى "ليلة حافية القدمين" 1992 على جائزة  فريد أوجوز باير للفكر والفن في نفس العام. وبعد ذلك بدأ في كتابة الأدب البوليسي وله العديد من الأعمال في هذا الاتجاه، أبرزها: "الضباب والليل" 1996، و"مفتاح أجاثا كريستي"، و"رائحة الثلج" (1999)، و"دمية" (2002)، و"باب الأسرار" (2008)، و"صروح إسطنبول" (2010)، و"اغتيال السلطان" (2012)، و"وداعا وطني الجميل" (2015)، وغيرها من الأعمال. وقد ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات، وحصل على أكثر من جائزة أدبية داخل تركيا وخارجها.  

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون